من قال إنك شخص عادي؟! الفاعلية القيادية (1 من 2)
أكد المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في تقريره السنوي أن العالم أصبح مفتقراً إلى قيادة إدارية قوية في العقود الأخيرة، وإذا ما كان العالم كله يعيش هذا الافتقار إلى القيادات القوية وفق هذا التقرير، فإن العالم العربي أشد افتقاراً واحتياجاً ولا شك، فالحاجة ماسة جداً إلى قيادات فاعلة ومؤثرة في منظماتنا العربية والإسلامية، وهي اليوم أكثر من أي وقت مضى داعية إلى إثارة الكامن وتحريك الساكن وبعث الروح القيادية في أوساطنا التنظيمية والتطويرية حثا للهمم واستنهاضا للعزائم وسعيا إلى الإيجابية والتقدم.. وقد قال الشاعر العربي قديما:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
والبيت لا يـُبتنى إلا على عمد
ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فإن تجمع أوتـاد وأعـمـدة
وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا
فالقيادة التي نحتاج إليها اليوم ويفتقر إليها العالم لا تتوقف على شكل من الأشكال ولا صورة من الصور، (ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)؛ إذ هي عملية تحريك الناس نحو الهدف، وليست مقاما أو نفوذا أو منزلة رفيعة، إنها مسؤولية عظيمة، ومهمة جسيمة، تبدأ أول ما تبدأ بقيادة الإنسان لذاته، فالجينات القيادية مختبئة في كل منا، وتحتاج إلى من يوقظها ثم يصقلها ويلمعها لتظهر للعيان. يقول روبن شارما: ''إن الخطوة الأولى لذلك هو الوعي بوجود تلك الصفات القيادية والالتزام بإظهارها كلما حانت الفرصة لذلك'', مؤكداً أنه لا يمكن أن يكون الإنسان عظيما حقاً إلا عندما يشعر بالعظمة الشخصية''. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أين تقف؟ فالمثل القديم إن لم تكن تعرف أين تقف، فلن تعرف إلى أين أنت ذاهب!.. وهو مثل يشخص بجلاء وقائعنا وأحداث حياتنا، فكثير من حالات الفشل، وتعثر الخطى في الوصول إلى ما نسعى إليه ليس مرده إلى ضعف القدرات والإمكانات أو ''الظروف الصعبة'' كما يعبر البعض، إنما يعود إلى عدم معرفتنا التامة بالهدف الذي نسعى إليه، وعفويتنا في التعامل معه. أول فصول نجاحات القائد القيادية، حين يحدد هدفه؛ ورؤيته وقيمه، وينشرها بين أتباعه، فالقائد الفذ هو الذي يجعل رؤاه وقيمه تتغلغل في صميم موظفيه، دون أن يحتاج إلى الحديث عنها كثيرا وتكرارا, والقائد الفذ هو من يجعل أتباعه ينجزون أهدافه ويتوجهون لتحقيق رؤيته. ولعل ما كتبه تود شانون مدير إدارة في شركة يونيليفر العالمية لفريق المبيعات، يبين لنا أهمية هذا الشأن القيادي، حيث يقول في رسالته:
( إلى فريق المبيعات..
الموضوع: رحلتنا من أجل النجاح...
في غيابي أرجو منكم أن تعملوا نحو تحقيق غايتنا، اتفقوا حول الأفكار والآراء والمبادئ نفسها، وأعطوا الأولوية لما يجب عمله، وأنجزوا الأهم فالمهم، وتذكروا أننا في سفينة واحدة ننجح معا ونفشل معا، وصفقوا لزملائكم عند النجاح وشجعوهم عند الفشل، تفاعلوا دائمًا وتصرفوا بأمانة وتفانٍ واقتناع، وانظروا خلف ما ترونه وحاولوا رؤية ما يتبعه.
القيادة النموذجية المؤثرة هي أن تدفع من حولك ليقدموا خير ما عندهم، فالقادة العظماء يعيشون العظمة بكل معانيها، أما القيادات النظرية فليست إلا قيادات تعيش في أبراج عاجية، والقائد الفذ هو الذي يحفز من حوله، ويثير فيهم الدافعية، ويجعلهم من خلال قيمه وبعد نظره ينقادون له طوعاً لا كرهاً، ورغبة لا رهبة. يحكي هورد شولتز سر نجاح سلسلة محال المشروبات الأمريكية ''ستاربكس''؛ فيقول: إذا أردت أن أحدد شيئًا يجعل ''ستاربكس'' متفوقة على مثيلاتها من الشركات؛ فهو إدخال نظام الشراكة, الذي أصبح جميع الموظفين من خلاله شركاء، ويؤكد: ''وقد كان هدفي أن أربط بين قيمة المساهمين والمكافآت بعيدة المدى للموظفين، كنت أريد أن تُتاح للموظفين فرصة للمشاركة في مزايا النمو، وأن أوضح الارتباط بين ما يقدمونه من مساهمات وبين ازدياد قيمة الشركة).
إن صياغة الرؤية المستقبلية من أهم مهارات القائد البارع والقادة الناجحين، وإن دولة مثل السويد لديها وزارة تابعة لرئيس الوزراء تهتم وتعنى بشؤون المستقبل منذ 1973م، ويبلغ عدد المؤسسات المهتمة بالدراسات المستقبلية في أمريكا وحدها نحوا من 600 مؤسسة، كما أن الدراسات المستقبلية تشكل حاليًا نحوا من 415 مقررًا دراسيًّا موزعة على 18 ولاية أمريكية''. فالرؤية المستقبلية للقائد الفذ المؤثر تجعله يحرك العملية القيادية باتجاه التغير المنشود وعلى الوجه الأكمل. وكما قالوا قديما: إذا أردت أن تكون إمامي فكن أمامي، فليس هناك إلا طريقة حقيقية واحدة للقيادة، وهي أن تكون في المقدمة، تقوم بالسحب لا بالدفع. وقد أجريت دراسة على 75 ألف شخص من مختلف أنحاء العالم، واستمرت 20 سنة كاملة، قام الباحثان: كوزس وبوسنر بطرح سؤال محدد على هذه العينة الكبيرة من المرؤوسين في مختلف القطاعات: ما القيم والصفات والإمكانات الشخصية التي تبحثون عنها وتعجبون بها في قادتكم؟ وشملت الإجابات نحو 250 صفة وقيمة، ثم حولها محللون إلى 20 صفة، كل واحدة منها تحتوي عددا من المترادفات. وما أثار الدهشة في نتائج هذا الاستبيان وفي جميع القارات هو أن أربع صفات وهي: الأمانة، الكفاءة، التحفيز، والتطلع للمستقبل، حظيت بالتصويت عليها بأكثر من 50 في المائة، وكانت الأمانة على رأس هذه الصفات. ذلك لأن القائد الأمين هو من يتربع على ثقة الآخرين، ويحظى برضاهم، يقول مؤلف كتاب: القيادة تحد: ''إننا دائما نريد الحقيقة، إننا نريد القائد الذي يعرف التمييز بين الصواب والخطأ، نعم إننا نريد الفوز، لكننا لا نريد أن يقودنا من يخدعنا باسم الفوز، إننا نريد أن يكون قادتنا أمناء وصادقين، حيث إن ذلك سيعكس بالتالي صدقنا وأمانتنا...'', فالقيادة من خلال الأمانة والنزاهة الشخصية هي أعلى مستويات القيادة، والأمانة والكفاءة بالنسبة للقائد كالجناحين للطائر، يقول ستيفن كوفي: ''إن كلا من الكفاءة والأمانة ضروريتان بالطبع، لكن إحداهما من دون الأخرى ليست كافية''. يتبع