مستقبل العلاقات المصرية ــــ الإسرائيلية
يثور جدل حاد هذه الأيام حول مستقبل العلاقات بين مصر وإسرائيل، وقد بدأ هذا الجدل المسؤولون الإسرائيليون الذين شعروا ببالغ القلق ليس فقط على معاهدة السلام المصرية ـــ الإسرائيلية، ولكن لما تحدثه الثورة في مصر من تداعيات تهدد مستقبل المشروع الصهيوني بأكمله. ولعلي أبادر إلى تقديم تفسير عاجل لما حدث في مصر يستند هذه المرة إلى الغيبيات التي لا تعترف بها نظريات التحليل السياسي، وهو أن ما حدث كان مفاجئاً ومن قطاع لم يكن يتوقع أحد منه خيراً بل كان الشباب عبئاً على المجتمع في ضوء تردي الأوضاع واستمرار آليات الفساد، حيث بدا الأمر وكأنه مخطط للقضاء على مصر، فإذا بنفحة من عند الله تهب على مصر بعد أن ظهر الفساد في البر والبحر، وهو تفسير إلهي، وهو أن الله غيور على اعتدال ملكه الذي اختل خاصة في مصر وفلسطين وظن الصهاينة أنهم اقتربوا من الاستيلاء على المسجد الأقصى. وقد فطنت إسرائيل بحاستها إلى أن ما يحدث في مصر سيغير كل شيء وأوله موقف العرب من المشروع الصهيوني في منظور جديد.
ولكن إسرائيل قدمت تفسيرا وفق مصالحها فأكدت أن أمنها وسلامتها لا يمكن ضمانهما بمعاهدات يوقعها حكام زائلون تعصف بهم شعوبهم، وتجاهلت إسرائيل أنها هي التي تسببت في كل الاضطرابات ولوثت العلاقة بين الحاكم والمحكوم واتسمت سياساتها بالفجور في فلسطين وفي اغتيال شخصياتها ومحاولة تدمير لبنان وتقسيم السودان وتمزيق المنطقة كلها حتى يصفو الحال لإسرائيل وحدها.
في مصر بدأ المواطن يشعر بعبء علاقات مصر بإسرائيل وتبدى ذلك في عدد محدد من المظاهر، أولها شعور المواطن بافتئات إسرائيل بدعم أمريكي على سيادة مصر وسلامة أراضيها وشعور المواطن بالانكسار بسبب تردي الأوضاع وتقزم مكانة مصر في الإقليم. أما المظهر الثاني لأثر إسرائيل في مصر فهو الضغوط النفسية على المواطن بسبب توحش إسرائيل في المنطقة وتهويد فلسطين وشعور بالعجز إزاء هذه الأوضاع وبضعف موقف بلاده. المظهر الثالث هو ما تدفعه الحكومة من أموال طائلة من قوت الشعب لدعم أسعار الغاز في إسرائيل ورفض الحكومة تنفيذ الأحكام القضائية المصرية مما رسم علامة استفهام حول هذه الصفقة خاصة بعد أن تكشف فساد بعض الوزراء وإثراؤهم على حساب الشعب.
المظهر الرابع هو تقاعس الحكومة في حماية الأمن المائي المصري مما أثر على الزراعة المصرية التي دمرت بشكل منظم.
المظهر الخامس هو غموض موقف الحكومة إزاء ما سمي بالفتنة الطائفية وتفجير الكنائس خاصة في ضوء ما كشف عنه عاموس يالدين مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية في تعداده لإنجازات الموساد وخطة إسرائيل تجاه مصر وهي دور إسرائيل في زرع الفتنة الطائفية وتفتيت المجتمع المصري حتى لا تقوم له قائمة بعد نظام مبارك.
لقد أصرت إسرائيل والولايات المتحدة على ألا يصل إلى الحكم في مصر عناصر إسلامية أي الإخوان المسلمون، وأن تلتزم أي حكومة مقبلة بمعاهدة السلام باعتبارها عندهما من المقدسات، ولكن دخول إسرائيل وأمريكا لفرض شكل النظام وسياساته في مصر إزاء ثورة شعبية عارمة يدل على عدم إدراكهما أن عصراً كاملاً قد انقضى وأن عصراً جديداً يولد له موجباته ومفاجآته.