الذات الفردية والذات الجماعية صراع أم تكامل؟!
الذات الفردية والذات الجماعية تعبيران قد يتداخلان أحياناً، وقد يختلفان ويلتقيان في بعض الظروف وبعض المواقف. الذات الفردية تعبر عن نفسها من خلال استخدام أنا أو كل ما يعبر به الشخص عن ذاته أو عن شخصه بصفته الفردية، كأن يقول أحب، أرغب، أشعر، أنا قوي، أنا شجاع، أنا قادر، أو أنا ضعيف، أنا عاجز. وقد تعبر الذات الفردية عن أشياء وقتية وظرفية، كأن يقول الفرد أنا جائع، أو أنا تعبان، وتختفي هذه الذات حين تحقيق هذه الحاجات التي تنقص الفرد، فإذا أكل الفرد وشبع، أو إذا استراح بعد تعب ونصب تختفي الأنا الفردية، لكن تعود مرة أخرى حين ينقصه شيء لا بد له من السعي إلى إشباعه كي يستقر ويهدأ، ويعود له التوازن مرة أخرى.
الذات الفردية تعبر عن نفسها لفظياً وسلوكياً، ويمكن معرفة هذه الذات حين تتحدث أو حين يسلك الفرد ويتعامل مع الآخرين، إذ يمكن معرفة طموح الفرد، أو ثقته بنفسه من خلال تصرفاته وأفعاله، فالخائف يتوارى، ويتجنب الحديث إن كان خائفاً ممن يتحدث إليه، خاصة إن كان غير آمن على نفسه أو مصالحه، أو قد يتحدث لكنه يرتبك ويتلعثم، ويضطرب تفكيره نتيجة الموقف، وعلى النقيض من ذلك، الشجاع يشعر بالثقة حين يتحدث، ويبرز رأيه دون تردد أو وجل، ويدافع بمنطق وعقل عن فكرته، كما يسلك ببسالة في الموقف الذي يستدعي ذلك.
الحديث مع الذات هو تعبير عن الذات، وهو قراءة فردية للذات يترتب عليها وعي الفرد بإمكاناته ونقاط ضعفه وقوته, إضافة إلى التصرف بناءً على هذا الوعي.
الذات الجماعية مجموع ذوات الأفراد حين تكون هناك قواسم مشتركة في المشاعر والآراء والأفكار والرغبات، الذات الجماعية تتحدث بصيغة نحن، ونشعر، ونحس، ونرغب، الذات الجماعية تعبر في الغالب عن ضمير المجتمع وما يوجد فيه من رغبات أو آراء. هل الذات الفردية تعبر عن الذات الجماعية؟ ومتى يكون ذلك؟ الذات الفردية يمكنها أن تعبر حين تتقمص الذات الفردية الذات الجماعية، وتحمل هموم باقي الأفراد، لكن هذا يتطلب تخليها عن النزعات الفردية الأنانية والمتقوقعة حول المصالح الفردية الضيقة التي تجعل الفرد لا ينظر إلا إلى مصالحه الخاصة، ويهمل مصالح الآخرين أو عموم الناس.
قد يوجد في المجتمع اختلاف بين الأنا الجماعية والأنا الفردية, وذلك حين يشذ الفرد عن باقي أفراد المجتمع، وحين تتناقض مصالح الفرد مع مصالح المجتمع، ويصر الفرد على فرض مصالحه حتى لو كانت على حساب مصالح المجتمع، وكذلك يفرض آراءه وأفكاره على الجميع مع إغفال آراء الآخرين ومصالحهم، ولا يقيم لها اعتبارا على الإطلاق. مثل هذه الحالات تشكل خطراً على المجتمع خاصة حين يكون الفرد في موقع المسؤولية، ذلك لأن الفرد يتخزل المجتمع، والآخرين في ذاته، وفي أفكاره، وفي رغباته، حيث يكون أمن المجتمع ومصالحه مرتبطا بأمنه هو كفرد ومصالحه دونما اعتبار لما يحدث للآخرين، فإذا سلم هو سلم الجميع، وإذا شبع شعر الآخرون بالشبع، وإذا استراح هو فالجميع مستريحون.
الذات الفردية حين تكون ذات قوة وسطوة تشكل حجر عثرة في تحقيق طموحات الجميع تحت وطأة النزعة الفردية المتطرفة، خاصة حين تتربى الذات الفردية على أنها على حق، وأن رأيها هو الرأي الصواب، وما غيره يعد خطأ، وليس له قيمة يمكن النظر إليها.
الذات الجماعية قد تحتوي الذات الفردية وتوجهها بالشكل الصحيح، وتحد من تطرفها وتمركزها حول مصالحها الفردية، لكن هذا مشروط بقدرة الذات الجماعية على التحرك، وبالصورة الصحيحة، أما إن بقيت الذات الجماعية في حالة سكون أو خمول فهذا سيفقدها القدرة على توجيه الفرد، أو الأفراد الذين يشذون عن واقع الجماعة بكل أوضاعها واحتياجاتها ورغباتها. وفي وضع كهذا قد توجد فرصة لذات فردية تفرض إرادتها على الجميع وتهمشهم، ولا تبقي على الساحة غيرها، بل، تشعر الجميع بأنها هي الرمز، وهي المكون الأساس، وهي القدرة، وهي الفعل، ومن دونها لا يمكن للمجتمع أن تستقيم أموره، وتسير في الشكل الصحيح، ولعل هذا يفسر لنا الأحداث التي تحدث في مصر، وما حدث في تونس حين طغت النزعة الفردية، واكتسحت الآخرين لعقود وأبعدتهم عن الساحة حتى ظنت أن الآخرين، أو الذات الجماعية قد انتهت من الميدان، ولم يعد لها وجود.
إرادة الذات الجماعية قد تفرض نفسها على الساحة، وتحقق أهدافها متى ما رغبت في ذلك، وتحركت في هذا الاتجاه، لكن الواقع في كثير من الأحيان قد يحدث صراعاً بين الذات الفردية والذات الجماعية, خاصة حين تكون الذات الجماعية مهمشة وغير قادرة على التحرك لتحسين وضعها أو حين تستسلم لواقعها حتى لو كان هذا الواقع مزرياً، ومتردياً على الصعيد المعاشي، أو على صعيد القيم والمبادئ. ومهما تكن الظروف فإن حالة التكامل بين الذات الفردية والجماعية هو الأفضل, خاصة حين تدرك الذات الفردية ذات التأثير وذات المسؤولية أن دورها خدمة الجميع بدلاً من تهميشهم ومصادرة حقوقهم.