الأزمة المصرية وتأثيرها في السوق السعودية

بدأت سنة 2011 بتفاؤل حول قدرة السوق السعودية على أداء أقوى من 2010, خصوصاً أن أرباح الشركات المدرجة في السوق السعودية شهدت نمواً قوياً في أرباحها لسنة 2010 بلغ 35 في المائة, فيما لم ترتفع السوق إلا بنسبة تجاوزت 8 في المائة بقليل. وساند ذلك التوقع ارتفاع أسعار النفط بنسبة أعلى مما كانت عليه في 2010، وعودة النمو والاستقرار النسبي إلى الاقتصاد العالمي، مع التوقع بأداء جيد للقطاعين البنكي والبتروكيمياويات التي دخلت سنة 2011 وبصورة أفضل مما كانت عليه إبان الأزمة العالمية التي عصفت بالاقتصادات والأسواق العالمية في السنوات الثلاث الماضية. بل إن القطاعين البنكي والبتروكيماوي السعودي دخلا 2011 ولديهما فوائض سيولة وإنتاج على التوالي في سوق اقتصادية مواتية جدا لاستيعاب هذه الفوائض بأسعار أفضل من الأعوام السابقة.
لقد جاءت أزمة التغييرات مفاجئة للجميع، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، التي بدأت دولها تدخل مرحلة جيدة من الاستقرار الاقتصادي بعد زوال تأثيرات وتبعات الأزمة العالمية، لترسم مرحلة جديدة قد تشكل وجها جديدا للمنطقة يتسم بالإفصاح والشفافية ومزيد من الأنظمة والتشريعات التي تقضي على الفساد وتزيد من معدلات التوظيف وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين. وإذا كانت المرحلة الجديدة كما تصورتها هنا، فإن المرحلة الانتقالية ستؤثر في أسواق المنطقة بنسب متفاوتة، ومنها الأسواق الخليجية، وسوق المملكة, لكن هذه التأثيرات قد تكون وقتية، وقد تنحسر بسرعة في حال عودة الاستقرار سريعاً إلى مصر.
ويبدو أن السوق السعودية تفاعلت مع الأحداث في السوق المصرية بصورة متوقعة ــــــ ليس كما اعتقد البعض ــــــ أن هناك مبالغة في تراجع السوق السعودية بحدة، خصوصا التراجع الذي حدث يوم السبت ما قبل الماضي، وانتهاء السوق السعودية بتراجع مقبول حتى الآن بنسبة سالبة 1.6 في المائة منذ بداية العام حتى الآن، مقارنة بالأسواق الخليجية والسوق المصرية, التي ـــــ الأخيرة ــــــ انهارت بنسبة 21 في المائة. ولعل أهم الأسباب التي أدت إلى تراجع السوق السعودية قد انكشفت بصورة واضحة بعد نشر تداول لإحصائيات البيع والشراء في السوق السعودية لكانون الثاني (يناير), الذي شهد آخر أسبوع فيه التراجع الكبير للسوق السعودية يوم السبت 29 كانون الثاني (يناير) بنسبة 6.4 في المائة، حيث تبين أن الأفراد, الذين يشكلون نسبة 86.6 في المائة من المتداولين في السوق, باعوا بأكثر مما اشتروا بفارق خمسة مليارات ريال تقريبا، وهو ما يشير إلى هلع الأفراد. فالصناديق الاستثمارية والشركات اشترت أكثر مما باعت خلال كانون الثاني (يناير). وفي اعتقادي أن من سارع في الخروج من السوق السعودية ـــــ ومن ثم تبعه الأفراد ـــــ هي فئة الأجانب (عبر اتفاقيات المبادلة) الذين باعوا بأكثر مما اشتروا بنحو مليار ريال، لكن سلوكهم في التعامل في السوق السعودية هو سوق مضاربي واضح منذ بدء دخولهم إلى السوق السعودية، حيث لم يخلُ يوماً تقريباً إلا ونلاحظ تحركهم بالبيع والشراء بكميات ملحوظة في شركات صغيرة نسبياً ـــــ كما ينشر في نسب الملاك اليومية التي تنشرها أرقام. وفي اعتقادي أن هؤلاء المستثمرين يستخدمون الخيارات أيضاً في بيع وشراء الأسهم السعودية, خصوصاً في الشركات الكبيرة ذات السيولة العالية, التي يحتم عليهم البيع والشراء عند أسعار محددة مسبقاً. وهذا السلوك المضاربي أضاف هلعاً إضافياً لدى الأفراد للخروج سريعاً يوم السبت 29 كانون الثاني (يناير). وهذا لا يعني تقليلي من أهمية العوامل الأخرى التي أثرت في السوق السعودية، وجاءت كتبعات لما يحدث في مصر الشقيقة, التي من أهمها ارتفاع تكلفة الإقراض المتوقع في السوق السعودية وأسواق المنطقة، وانكشاف بعض الشركات المدرجة في السوق السعودية على السوق المصرية بشكل مباشر، وارتفاع تكلفة النقل والتأمين على النقل الملاحي، وانقطاع واضطراب سوق التصدير عن طريق قناة السويس، والمخاطر السياسية التي قد تترك تبعات طويلة المدى على أسواق المنطقة، خصوصاً إذا استمرت الدعوة بتساقط الرؤوس. ولعل الأسباب الأخيرة هي أسباب سيتعاظم تأثيرها مع مرور الوقت في حال استمرار هذه الظواهر خلال العام، ما يجب الحذر في التعامل مع أسواق المنطقة خلال العام الحالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي