خطبة الجمعة أبلغ وسائل الاتصال المباشر
لقد منَّ الله - سبحانه وتعالى - على المسلمين كافة وفي جميع أنحاء المعمورة بيوم الجمعة المبارك في نهاية كل أسبوع، وشرع لنا فيه صلاة وخطبة، يجتمع فيهما المسلمون مع بعضهم ويذرون البيع ''والشراء''، وبعد انقضاء الصلاة يبتغون من فضل الله ما كتب الله لهم من الرزق. وخطبة الجمعة من أبلغ وسائل الاتصال المباشر بعموم أفراد المجتمع الواحد؛ لما لها من تأثير على النفوس الطاهرة، حيث يأتي المرء إلى مسجد الجامع وهو ممتلئ خشوعا إلى الله ورهبة منه ومُقبلا إليه بكل جوارحه، راجيا منه الرحمة والمغفرة وتاركا الأمور الدنيوية وراء ظهره، فيكون قلبه مُنفتحا لذكر الله ومُتقبلا للنصائح والتوجيهات التي يسمعها من خطيب الجمعة. ويلعب منبر الجمعة دورا إيجابيا، إذا أجاد خطيب الجامع في الأداء، لتوصيل النصح والإرشاد إلى المواطن والمواطنة فيما يخص أمور دينهم ودنياهم. ومضمون خطبة الجمعة موجّه في الغالب إلى الرجال والنساء على حد سواء، وليس فقط للرجال. ومع ذلك، فإن أبرز مظاهر صلاة الجمعة في بلادنا، وربما في بعض الدول العربية المجاورة، خلوها من حضور النساء، وهنَّ يمثلن نصف المجتمع الإسلامي ومربيات أبنائنا وبناتنا. وتكاد لا تخلو خطبة الجمعة من ذكر كثير من المواضيع التي تهم المرأة، أو تتعلق بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بعلاقة الرجل بالمرأة، ويتحتم في هذه الحالة حضورها؛ حتى تتعلم وتستفيد مما يُصلح حالها وأمور دينها ودنياها. والسؤال المهم الآن: ما الذي يمنع المرأة أو يقف حائلا دون حضورها إلى صلاة وخطبة الجمعة الجامعة لكل خير؟.. هل هي التقاليد الموروثة عن المجتمعات الغابرة التي كانت إلى عهد قريب تعتبر المرأة إنسانا ليس ذات أهمية في المجتمع الرجولي، أم أنها سيطرة الرجال بوجه عام المستديمة على تصرفات النساء حتى فيما يخص العبادات؟.. ومن باب تلمُّس العذر، فربما أن عدم توافر وسائل المواصلات المناسبة في الزمن الماضي وندرة مساجد الجمعة أو بعدها عن معظم أماكن السكن وزمن ما قبل عصر الميكروفونات، كانت من العوامل التي أدت إلى عدم حضور المرأة إلى الجامع. ولكن ما هو عذرها اليوم، والأمور ولله الحمد كلها مُتيسرة ووسائل النقل الحديثة في متناول يديها؟ فالانفتاح الاجتماعي وانتشار التعليم في هذا العصر أعطى المرأة مكانة أفضل بكثير من الماضي القريب. وهل من المعقول أن نحرم نساءنا من حضور صلاة الجمعة وسماع الخطبة التي أولها خير وآخرها خير؟ نحن لا نعلم إن كان هناك فرق بين النساء والرجال بالنسبة لزيادة الخير، بل ربما أنهنَّ أكثر حاجة من الرجال إلى سماع النصائح المؤثرة والدعوات الصادقة أثناء خطبة الجمعة التي تدعو وتحث على الخشوع وتحسين النية. فهنَّ في واقعنا الحاضر، إما محرومات تماما من هذا الخير، أو أنهن يتلقين ما يتبقى في ذاكرة الرجل من مضمون الخطبة، إن كان من القِلة الذين هداهم الله لنقل مُلخص يسير إلى زوجته وبناته مما سمع من الإمام. ولكن، ما دام الرجل والمرأة سواسية في التكليف والعبادة، فلماذا لا يكون هناك تشجيع من أئمة مساجد الجمعة على حضور النساء لسماع الخطبة وتأدية الصلاة لزيادة الخير، فهذا واجب عليهم؟ وهل هناك مانع شرعي يحول دون دعوتهن إلى المسجد الجامع، من غير توظيف مبدأ سد الذرائع؟ وقد قال الله - سبحانه وتعالى - في محكم كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (سورة الجمعة: الآيتان 9 و10). فلم يخص الله جل شأنه الرجال دون النساء في الدعوة إلى صلاة الجمعة.
ومما يؤيِّد ضرورة تشجيع حضور أمهاتنا وزوجاتنا وبناتنا لصلاة الجمعة، ما نشاهد من حضور كثيف من النساء، من مختلف الأعمار، لأداء صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك، تقريبا في جميع المساجد ولم نر منْ يُعارض ذلك، بل ربما العكس، فنحن نرى في شهر رمضان من التشجيع لحضورهن أكثر من التهبيط. مع أن حضور صلاة الجمعة وسماع الخطبة بخشوع لهما فضل كبير، قد يتجاوز فضل صلاة التراويح. فما الفرق بين هذه وتلك؟ والذهاب إلى صلاة الجمعة في وسط النهار أكثر أمانا من الذهاب إلى صلاة التراويح في وسط الليل؟!
ومن الملاحظ أن خطب معظم أئمة مساجد الجمعة - جزاهم الله خيرا - أصبحت في السنوات الأخيرة أكثر إيجابية وأقرب إلى واقع أحوال المجتمع. فقد اختفت من الخُطب تلك النبرات القاسية، والنابية أحيانا، الموجهة لغير المسلمين، مثل الدعاء عليهم بأن يزيلهم الله عن وجه الأرض ويسفك دماءهم ويُيتم أطفالهم، إلى آخر ما يستطيع الخطيب حشره من الكلام الخارج عن الذوق السليم الذي يُصوِّر المسلم وكأنه مُتعطش لسفك الدماء. ولو أن كل إمام أبدل الدعاء عليهم بطلب الهداية من الله لهم لدخول دين الإسلام لكان ذلك أنفع وأصلح لحال للمسلمين أنفسهم وأكثر خيرا لهم، والمَخرَج للكلام واحد. وبما أن خطبة الجمعة يسمعها الكبير والصغير، والكل سيتأثر بها ولو بدرجات متفاوتة، فإننا نود أن نُربي أولادنا وبناتنا على حب الخير للجميع ونحرص على ألا نبني في نفوسهم الكره للآخرين ورغبة مشاهدة سفك الدماء. وكفانا ما نُعاني منه اليوم من وصف للإسلام بأنه دين الإرهاب، ونحن معشر المسلمين نعلم أن ديننا هو دين السلام والمعايشة السلمية، وتاريخنا الناصع يشهد لنا بذلك. ومن أجل أن ندعو غير المسلمين إلى اعتناق الإسلام، سواء بالطرق المباشرة أو غير المباشرة، فأول واجب علينا هو أن نجعل من أنفسنا قدوة في حسن التعامل وكمال الخُلق واحترام الآخر. هذا ما نود أن يكسبه أولادنا وبناتنا من خطبة الجمعة.