كأس آسيا .. دروس .. وعبر.. ووداع حزين

اختتمت منافسات كأس آسيا بمباراة دراماتيكية وفوز ياباني مستحق وجمال وروعة ودقة في التنظيم، وفيها شاركت ثمانية فرق عربية كلها من العيار الثقيل للأسف خرجت كلها الواحدة تلو الأخرى دون أن يصل أي منها إلى مربع الصفوة (دور الأربعة) والاكتفاء بالوصول إلى ـدور ربع النهائي (قطر، العراق، الأردن)، على الرغم من أنه إذا أعدنا شريط ذكريات البطولة السابقة نجد أن النهائي كان عربياً خالصاً بين العراق والسعودية، واعتبرنا في ذلك الوقت أن تلك المباراة ليس فيها خاسر، بل إن نتيجتها هي للتاريخ والإحصاء فقط.
وراودتنا أحلامنا بأن في هذه النسخة ربما يكون دور الصفوة كله عربياً خالصاً أو يفترض أن يكون كذلك إذا قسنا بكل المقاييس أو وضعنا معايير مبنية على مواقف العرب في البطولات السابقة، ولكن ما حدث أعطانا مؤشراً. أنا شخصيا لست قلقاً بشأنه؛ لأنه يوضح لنا أمراً واحداً ربما يجعلنا نعيد كل حساباتنا من جديد، ألا وهو أن العالم من حولنا يتطور ونحن نتأخر، ولكن ما حز في نفوس الجماهير العربية وزاد من أسفها وحزنها خروج جميع المنتخبات العربية من المنافسة على بطولة كأس الأمم الآسيوية 2011، فـعلى الرغم من أن البطولة تقام على أرض خليجية وعربية وبين جماهير عربية كبيرة، إلا أن المفاجأة خروج كل المنتخبات العربية، وعلى الرغم من أن المنتخبات العربية قدمت مباريات قوية، إلا أن معظمها خرج من المنافسة بأخطاء تكتيكية وإفرازات نفسية نتجت لعدة عوامل، وأقول إن كل منتخباتنا لا تستحق هذا الخروج.
ولتوضيح بعض أسباب هذا الخروج المحزن، وحتى نسهم في وضع بعض الحلول دعونا نستعرض تاريخ هذه البطولة ومشاركة العرب فيها وما أفرزته تلك المشاركات من نتائج طيبة، ومن نجوم ما زالت أسماؤها ساطعة في سماء كرة القدم العربية، فقد جاءت فكرة إقامة بطولة كأس آسيا لكرة القدم بعد اجتماع الدول المؤسسة للاتحاد الآسيوي لكرة القدم عام 1954 في مانيلا، حيث اتفقت الدول المؤسسة للاتحاد على العمل من أجل تطوير اللعبة في القارة الآسيوية، وكانت إقامة بطولة قارية للمنتخبات الوطنية واحدة من هذه الأمور التي تم الاتفاق عليها من أجل ذلك؛ لتقام البطولة كل أربعة أعوام، وانطلقت كأس آسيا بعد عامين، حيث أقيمت النسخة الأولى في هونج كونج في 1956، بمشاركة سبعة منتخبات.
أحرز المنتخب الكوري الجنوبي لقب البطولة في النسختين الأولى والثانية عامي 1956 و1960، ومن ثم انتقلت السيطرة إلى المنتخب الإيراني الذي توج باللقب ثلاث مرات على التوالي في الأعوام 1968 و1972، ثم أقيمت بطولة كأس آسيا عام 1976 في إيران مرة أخرى، الذي استطاع الفوز بالبطولة للمرة الثالثة على التوالي، وفي عام 1980 أقيمت البطولة السابعة في الكويت خلال الفترة من: 15 إلى 30 أيلول (سبتمبر)، وشارك فيها عشرة منتخبات، استطاع منتخب الكويت أن يتوج بكأس آسيا.
في عام 1984 أقيمت البطولة الثامنة لكأس أمم آسيا في سنغافورة خلال الفترة من: 1 إلى 16 كانون الأول (ديسمبر)، واستطاع المنتخب السعودي الفوز بها لأول مرة بعدما هزم منتخب الصين لكرة القدم في النهائي بنتيجة 2/ 0، البطولة التاسعة أقيمت عام 1988 خلال الفترة من: 2 إلى 18 كانون الأول (ديسمبر) في قطر، وفاز بها منتخب السعودية للمرة الثانية. كأس آسيا العاشرة عام 1992 أقيمت في اليابان، واستطاع منتخب اليابان بالفوز لأول مرة ببطولتها بعدما تغلب على المنتخب السعودي في المباراة النهائية في هيروشيما.
وفي عام 1996 أقيمت بطولة كأس آسيا الـ11 في الإمارات خلال الفترة من 4 إلى 21 كانون الأول (ديسمبر)، حيث استطاع منتخب السعودية الفوز على الإمارات في المباراة النهائية التي أقيمت في أبو ظبي بالركلات الترجيحية. وفي عام 2000 أقيمت البطولة الـ12 في لبنان خلال الفترة من: 12 إلى 29 تشرين الأول (أكتوبر)، استطاع منتخب اليابان الفوز على حامل اللقب منتخب السعودية في المباراة النهائية التي أقيمت في بيروت بنتيجة 1/0.
البطولة الـ13 أقيمت في الصين خلال الفترة من 17 تموز (يوليو) إلى السابع من آب (أغسطس) 2004 استطاع منتخب اليابان الفوز على الصين في المباراة النهائية في بكين ليحصل على ثالث لقب آسيوي له.
أشهر أحداث البطولة ظهور البحرين بشكل جيد، حيث أنهت البطولة في المرتبة الرابعة، وكذلك وصول منتخب الأردن إلى ربع النهائي لأول مرة، وتأهل العراق للدور ذاته. كما أثارت خسارة منتخب الصين الفوضى العارمة أمام ملعب العمال في مدينة بكين.
وبعد ذلك بدأت منتخبات الخليج العربي في فرض حضورها بقوة، حيث كان منتخب الكويت أول منتخب عربي يتوج باللقب عام 1980 قبل أن يحرز المنتخب السعودي كأس البطولة ثلاث مرات من بين أربع بطولات، أقيمت ما بين عامي 1984 و1996 بعدما بلغ المباراة النهائية خمس مرات متتالية، كما توج المنتخب الياباني ثلاث مرات أيضاً في أعوام 1992 و2000 و2004، أما النسخة التي أقيمت عام 2007 بتنظيم مشترك للمرة الأولى في تاريخ البطولة على خلاف الأعوام السابقة، أقيمت النسخة الـ14 في عام 2007 بدلاً من 2008 في الفترة بين السابع إلى 19 تموز (يوليو) عام 2007، وذلك بسبب وجود العديد من الأحداث الرياضية المهمة كالألعاب الأولمبية في ذلك العام في أربعة بلدان لأول مرة، وهي: إندونيسيا، وماليزيا، وتايلاند، وفيتنام، الجدير بالذكر بأن منتخب أستراليا شارك في هذه النسخة بعد انضمامه إلى الاتحاد الآسيوي، وقد فاز في البطولة منتخب العراق لأول مرة في تاريخه، وذلك بعد تغلبه على منتخب السعودية بهدف مقابل لا شيء.
بذلك يظهر أن مشاركة العرب إلى حد ما مشرفة، وحققت نتائج مرضية كما شهدت بطولات كأس آسيا لكرة القدم على مدار تاريخها بزوغ نجومية عدد من اللاعبين العرب، كانت لهم بصمات كبيرة في تسجيل حضور مشرف للكرة العربية في المحفل القاري الكبير، ونذكر عدداً منهم لنعيد الذكرى الجميلة، حيث يتصدر اللاعبون السعوديون الحضور الأقوى في البطولة نتيجة تألق منتخبهم الذي خاض ستة نهائيات وأحرز ثلاثة ألقاب، ثم يأتي نجوم المنتخب الكويتي صاحب الصولات والجولات فيها، كما أفرزت منتخبات قطر والإمارات والعراق وسورية والأردن عدداً من اللاعبين الموهوبين، إذ بدأت الكرة السعودية مرحلة النضوج والتوهج في نسخة عام 1984، مع ولادة الجيل الذهبي الممثل في ماجد عبد الله الذي برز واشتهر بألقاب عدة نظراً لموهبته الفذة، واختاره الاتحاد الآسيوي في عام 2000 كثالث أفضل لاعب في تاريخ الكرة الآسيوية، كما حصل على جائزة أفضل لاعب آسيوي لثلاث مرات، وحقق مع المنتخب السعودي كأس آسيا مرتين عامي 1984 و1988، وكان هداف البطولة الأولى في التصفيات والنهائيات برصيد 11 هدفاً، وكوكبة من النجوم يتقدمهم صالح خليفة ومحيسن الجمعان وشايع النفيسة وعبد الله الدعيع وصالح النعيمة ومحمد عبد الجواد وسلمان النمشان ويوسف عنبر ويوسف خميس، الذين قادوا منتخب السعودية إلى أول لقب قاري، وتميز مدافع الهلال وقائد المنتخب السعودي صالح النعيمة باللعب الرجولي، إذ تولى قيادة المنتخب السعودي وهو صغير السن، وأبرز إنجازاته قيادة منتخب السعودية للفوز بكأس آسيا عام 1984، والمشاركة في أولمبياد لوس أنجلوس في العام ذاته، وأيضاً هناك قائد النادي الأهلي في الثمانينيات محمد عبد الجواد، الذي أسهم أيضاً في تحقيق لقبي آسيا 1984 و1988 مع المنتخب السعودي، وهو صاحب الهدف الشهير في مرمى الكاميرون في عام 1985 في البطولة الأفروآسيوية، عندما سدد هدفاً صاروخياً من مسافة بعيدة جداً، ويعد أفضل ظهير أيسر في تاريخ الكرة السعودية.
وفي بطولة عام 1988، تواصل الإبداع السعودي وانضم إلى كتيبة المبدعين صالح المطلق ومحمد سويد وفهد الهريفي وخالد مسعد، وحافظوا بجدارة واستحقاق على اللقب للمرة الثانية على التوالي، إذ برز الهريفي المعروف بلقب ''الموسيقار''، الذي أصبح من الركائز الأساسية للمنتخب السعودي، وأسهم في اللقب الآسيوي عام 1988، ونال لقب هداف كأس آسيا في عام 1992، بينما يعد ''الموهوب الفذ'' وصاحب المهارات الاستثنائية، اللاعب يوسف الثنيان الذي تميز بالمهارة الفائقة، وكان يلعب في مركز الجناح الأيمن، ومن نجوم السعودية الذين حققوا كأس آسيا في الدوحة عام 1988 وعام 1996 في أبوظبي، وأيضاً يأتي لاعب وسط النادي الأهلي الماهر خالد مسعد، فهو يعد من أبرز نجوم الكرة السعودية، وهو صاحب ركلة الترجيح الحاسمة التي أعطت المنتخب السعودي لقب كأس آسيا 1996 في الإمارات.
كما ترك مهاجم نادي الهلال، سامي الجابر بصمة كبيرة مع المنتخب السعودي، إذ سجل إنجازاً غير مسبوق في الكرة السعودية والعربية والآسيوية، حينما سجل ثلاثة أهداف في ثلاث بطولات لمونديال كأس العالم، وشارك في أربعة نهائيات عالمية متتالية بين 1994 و2006، وكان قائداً للمنتخب السعودي في آخر ثلاث نسخ من مونديال العالم.
أما الحارس ''العملاق'' محمد الدعيع، فهو أكثر لاعب حقق ألقاباً مع المنتخب السعودي، إذ حقق معه كأس آسيا مرتين، فيما قدمت الكرة السعودية أيضاً سعيد العويران أحد أشهر لاعبيها في خط الوسط، وكان أبرز نجوم الجيل الذهبي مع زميليه فؤاد أنور وفهد المهلل، وحصل العويران على أول جائزة يمنحها الاتحاد الآسيوي لأفضل لاعب في آسيا، وكان من ضمن كوكبة اللاعبين الذين حققوا بطولة كأس آسيا 1996، كما كان فؤاد أنور من أبرز اللاعبين في بطولة 1996.
وبرزت أسماء جديدة في عام 2000، كنواف التمياط وأحمد الدوخي ومرزوق العتيبي ومحمد الشلهوب وحمزة إدريس، وسطع نجم التمياط؛ إذ إنه النجم الأول للمنتخب في كأس آسيا التي أقيمت في لبنان، والتي حلَّ فيها المنتخب السعودي ثانياً، وحصل على جائزة أفضل لاعب آسيوي وعربي حينها.
أما الكرة الكويتية فقدمت عدداً من اللاعبين الذين تركوا بصمات كبيرة في البطولة الآسيوية، أبرزهم جاسم يعقوب الذي لقب بعدة ألقاب لها مدلولات كثيرة، وهو الذي حقق للكرة الكويتية قفزة كبيرة، وقادها لتحقيق الثلاثية الشهيرة، وهي الفوز ببطولة أمم آسيا عام 1980، والوصول إلى أولمبياد موسكو، والتأهل إلى مونديال 1982، وشكل ثنائياً خطيراً مع فيصل الدخيل ومعهما عبد العزيز العنبري وحمد بوحمد وفتحي كميل، بينما يعد منصور مفتاح ثعلب الكرة القطرية والقناص الخطير وصائد الأهداف، أحد أبرز اللاعبين في منطقة الجزاء، وشهرته تخطت حدود بلاده ومنطقة الخليج، فصار أحد أبرز هدافي العرب، فهو أحد أشهر لاعبي ''العنابي'' وهدافيه عبر تاريخه، إذ شارك في ست دورات لكأس الخليج وثلاث نهائيات لكأس آسيا في أعوام (80 و84 و88) وفي أولمبياد لوس أنجلوس عام 1984.
وسيبقى اسم عدنان الطلياني علامة فارقة وبارزة ليس في سجل الكرة الإماراتية فقط، وإنما في سجل الكرة العربية، إذ خاض نحو 180 مباراة دولية، وله هدف الشرف للكرة الإماراتية في مونديال 1990، عندما هز شباك منتخب ألمانيا بعد أن تلقى مرمى الإمارات خماسية، ولا يمكن الحديث عن الكرة الإماراتية من دون ذكر اللاعب زهير بخيت، الذي لعب دور المنقذ في مناسبات عدة. أما الكرة العراقية فقد أبرزت لنا عدنان درجال وحسين سعيد وليث حسين وناظم شاكر وعلي كاظم، وقائمة طويلة لا يسع المجال لذكرها، وكل هذه الأسماء للذكرى وليست للحصر.
ودعونا أيضاً نكمل هذا العرض ببيان سجل هدافي كأس آسيا منذ انطلاقتها الأولى، وقد ظهر فيها هدافون عرب على مستوى عال، ونذكر منهم:
- 1976 فتحي كميل برصيد ثلاثة أهداف.
- 1992 فهد الهريفي برصيد ثلاثة أهداف.
- 2004 علاء حبيل برصيد خمسة أهداف.
- 2007 ياسر القحطاني ويونس محمود برصيد أربعة أهداف.
أما المدربون الفائزون مع منتخباتهم في البطولة فقد تشرف مدرب عربي واحد بتحقيق هذه البطولة مع منتخب بلاده، وهو المدرب السعودي خليل الزياني في عام 1984 مع منتخب السعودية.
قراءنا الأعزاء، لم أذكر النجوم الذين برزوا من المنتخبات العربية في كأس الخليج 2011 في قطر، وأترك ذلك لكم لذكرهم وتحديد إنجازاتهم عبر جريدة ''الاقتصادية'' إن كان هناك نجوم سطعوا في هذه المنافسة، وإلا فذلك يعكس حال الكرة العربية الحقيقي.
بعد أن تعرفنا على تاريخ هذه البطولة ومشاركة العرب فيها وبروز العديد من النجوم الذين ذكرناهم وسيظلون في ذاكرة التاريخ فلا بد أن نناقش الأمر بكل هدوء. ومن أهم الأشياء التي يجب أن نتخلص منها كعرب، هي تلك العادة السيئة والمتمثلة في أنه حينما يهزم فريق أو يخرج منتخب من منافسة مثلما حدث مع المنتخبات العربية نجتهد ونبحث عن شخص نحمله مسؤولية هذه الهزيمة أو هذا الخروج، والمفروض أن نبحث عن الخطأ الذي حدث وليس على شخص أخطأ، ثم ندرس هذا الخطأ ونحلله ونتعرف على أسبابه ومسبباته، ومن ثم ندرس كيفية معالجة هذا الخطأ، ونضع الحلول ونوجد الوسائل لعدم تكراره، وستظهر لنا حتما من خلال ذلك أمور كثيرة تحتاج إلى المعالجة.
وكرة القدم عبارة عن منظومة متكاملة تشكلها من قمة الهرم إلى قاعدته مجموعة من الإداريين والفنيين والأجهزة المساعدة والجماهير والإعلام.. إنها منظومة متكاملة تصنع هذا العمل، ومن ثم لا يمكن تحميل الإخفاق الذي يحدث لشخص أو جهة واحدة، بل يتحمل الجميع هذا الإخفاق مثلما ينسب النجاح وتحقيق الإنجاز للجميع، وهذا الذي يدفعنا لتصحيح هذه المفاهيم، ويعد ذلك هو الخطوة الأولى لتصحيح المسار، وأولها وضع الأنظمة الصحيحة على أسس علمية نابعة من الواقع الذي نعيشه، وحينما تكون الأنظمة وفق الأطر والمعايير التي تتواكب وتخدم الكرة العربية تصبح مهمة الأفراد سهلة، حيث عليهم تطبيق هذه الأنظمة، وساعتها ترتفع درجات النجاح فيها حسب الفوارق في التطبيق.
ولننتقل إلى مرحلة أخرى، وهي الأسباب الحقيقية لسقوط الكرة العربية في القارة الآسيوية التي ترتكز على العديد من الأسباب، وهي:
- أسباب فنية
- أسباب إدارية
وربما هذه الأسباب نتاجٌ لتراكمات عدة منذ فترة طويلة. فقد بدأ الإخفاق في التأهل إلى نهائيات كأس العالم في جنوب إفريقيا 2010، حيث لم يتأهل من 22 دولة عربية إلا منتخب عربي واحد هو منتخب الجزائر، وهنا نحاول أن نعدد الأسباب الرئيسة، وهنالك أسباب فرعية نتركها لجهات الاختصاص:
ــــ إن ثقافة اللاعب العربي ضحلة خاصة فيما يخص الاحتراف واتخاذ لعبة كرة القدم كصنعة، وبات همه وتفكيره في المقام الأول منصباً على المبالغ التي يتحصل عليها، والثروة التي يريد أن يكونها دون الالتزام الحقيقي بقوانين وأنظمة ولوائح الاحتراف التي تتطلب الانضباط بنسبة 100 في المائة، وتطويع الموانع الاجتماعية التي تمنع اللاعب العربي من أن يعيش ظروف الاحتراف، كما يجب أن يسعى اللاعب العربي إلى الاحتراف في أوروبا والدول التي تطبق الاحتراف بصورته المثلى، حيث يحصل على فرصة الاحتكاك والصقل الصحيح، مما يكسبه روح الانضباط في السلوك وفي الأداء داخل الملعب.
ــــ من المفارقات الإدارية أننا في العالم العربي نجد إداريين يقفون في وجه اللاعبين ويحرمونهم من الاحتراف الخارجي؛ لأن نظرتهم قاصرة على مصلحة ناديهم فقط دون النظر للمصلحة العامة للاعب، مما يحرم هذا البلد من أن يصل اللاعب إلى مرحلة الاستفادة الكاملة، ولم تتطور فعلياً الكرة الآسيوية إلا عبر الاحتراف الحقيقي، واللاعبين المحترفين خارج بلدهم، ووضع الأنظمة التي تحافظ على كرة القدم كمهنة وكصناعة، مما يشكل ارتفاعاً ملحوظاً في أداء اللاعبين الآسيويين، ومن ثم تحقيقهم الإنجازات لدولهم مثلماً حدث في كأس آسيا قبل أيام في قطر.
ــــ عدم وجود أنظمة إدارية تحكم العلاقة بين لاعبي الأندية ودورهم في منتخبات بلادهم، فالإداريون في الأندية يعدون أن اللاعب هو ملك للنادي، وبعض اللاعبين تشبعوا بهذا الشعور، ولذلك نجد أن اللاعب يخلص لناديه أكثر من إخلاصه لمنتخب بلاده، بل أصابني الحزن يوماً، حينما علمت أن أندية المقدمة في دولة عربية ما تعسكر استعداداً للموسم الجديد ومنتخب بلادهم يعسكر لخوض منافسة قارية، وإذا بهذه الأندية تطالب بانضمام لاعبيها الموجودين مع المنتخب للمشاركة في معسكر النادي.. أي عقلية هذه التي يتعامل بها هؤلاء الإداريون.. يجب أن يعلم الجميع أن اللاعب هو ملك منتخب بلاده، وحتى أنظمة ''الفيفا'' والاتحادات القارية تمنح الحق للاعب المحترف للالتحاق بمنتخب بلاده في المنافسات الرسمية حتى لو كان ناديه سيلعب مباراة مصيرية.. هذا هو المفهوم الذي وضع كنظام في إمبراطورية الـ''فيفا'' التي تحكم كرة القدم، فكيف لهؤلاء الإداريين أن يتخطوا حاجز الوطنية.. وحاجز الأخلاق.. وحاجز هذه الأنظمة والقوانين ويتقدموا بهذا الطلب المخجل المحزن؟
ــــ ثم يأتي الإعداد الفني في الواجهة، فهو الذي يشكل الأسس الصحيحة لتكوين اللاعب وإعداده وتجهيزه بدنياً وفنياً ونفسياً وذهنياً لخوض المنافسات، وهذه التحضيرات يكون بطلها المدرب الذي يجب أن يتحمل مسؤولياته في الإعداد واختيار اللاعبين الذين يستحقون تمثيل بلادهم، دون أن يستجيب للضغوط التي يتعرض لها بالتدخلات الإدارية في عملية الاختيارات ووجود عامل المحسوبية بين اللاعبين، التي وصلنا فيها إلى درجة أصبح أغلب المدربين الموجودين في المنطقة العربية يستجيبون لما يطلب منهم، محافظة على حفنة الدولارات التي يتقاضونها، ولقناعتهم التامة بأن فترة عملهم هي فترة مؤقتة ستنتهي بعد نهاية العقد، أو ربما تنتهي بهزيمة في أي مرحلة من مراحل البطولة، ومن ثم يصبح هدف هؤلاء المدربين هو الراتب والامتيازات التي يحصلون عليها، ولا يقلقه أن ينهي عقده؛ لأنه يعلم تمام العلم بأنه سيتعاقد مع ناد أو منتخب في المنطقة العربية نفسها. وكم من مدرب جال في المنطقة وصال، ومنهم من درب أكثر من عشرة أندية ومنتخبات، ولم يحقق لأي منها إنجازا، وما زال مطلوبا لجهات أخرى، ومنهم من سيحقق الرقم القياسي بتدريبه أندية ومنتخبات 22 دولة عربية، وسنستعرض خطط ونظم اللعب في مقال آخر.
ــــ وواحد من الأسباب المهمة التي كانت سبباً مباشراً في خروج عدد من المنتخبات العربية من كأس آسيا في قطر هو أن معظم المدربين لهذه المنتخبات كانوا يركزون على الإعداد الفني والبدني، ولم يقوموا بالإعداد النفسي والذهني، وهذا ناتج إما عن تجاهل هؤلاء المدربين لهذا الأمر المهم، أو لعدم معرفتهم به. ويعد الإعداد الذهني من أهم واجبات عملية التدريب التي يجب أن يضعها المدربون نصب أعينهم، وأهم القدرات العقلية المطلوب تبيينها للاعب وفقاً لترتيبها في المواقف الخططية، هي:
1ــــــ تركيز الانتباه، وهو تركيز الشعور في شيء معين استعداداً لملاحظته أو أدائه.
2- القدرة على الملاحظة.
3- القدرة على الإدراك، ويمثل هنا الآتي:
أ- إدراك اللاعب مقدرة المنافس وقدرات زملائه اللاعبين.
ب- إدراك اللاعب لاتساع ومساحات الملعب.
ج- إدراك الزمن مثل الوقت الذي مضى والوقت الباقي من المباراة.
4- القدرة على التفكير.
5- القدرة على الاستنتاج.
6- سرعة التصرف.
ويعد الانتباه والإدراك هما الأساس الذي تقوم عليه سائر العمليات العقلية الأخرى ودونها لا يستطيع الفرد أن يعي أو يتعلم، والتعلم النظري للاعبين يمثل جزءاً مهما من التدريب في كرة القدم الحديثة، ويعطى العناية اللازمة، فمن أهم واجبات المدرب أن يدفع اللاعب لأن يكون خلاقاً ذا مبدأ، يعرف كيف ومتى يستخدم مهاراته وقدراته حسب الظروف والأحداث المتغيرة للمواقف الخططية. وعندما يبدأ المدرب الشرح يجب على اللاعب أن يبدأ بالتركيز في هذا الموقف، محاولاً إدراك المسافات بين الزملاء والمنافسين، ثم يفكر ويستنتج المكاسب والخسارة من الموقف ليقوم باتخاذ القرار المناسب في أقل زمن ممكن. من هنا تتضح أهمية الإعداد الذهني في عملية اتخاذ القرار، وهناك ثلاث طرق أساسية لتدريب القدرات الذهنية:
1- التعليم النظري قبل النزول إلى الملعب.
2- التوجيه النظري خلال التدريب.
3- تنظيم الإعداد الذهني بعد التدريب.
وهنا ننبه زملاءنا المدربين إلى أن من أسباب عدم تطبيق اللاعبين لما تم التدريب عليه هو إهمال المدربين تصحيح أخطاء تدريب اليوم الأول في وحدة التدريب لليوم الثاني واهتمامهم فقط بمحاولة تصحيح أخطاء المباراة فقط، وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق، فالمباراة ما هي إلا استمرار لعملية التدريب، والذي لا يطبق في التدريب لا يطبق في المباراة. وعلى المدربين اتباع الخطوات الثلاث السابقة للارتفاع بالقدرات الذهنية للاعب التي تساعده على الارتقاء بقدراته العقلية، وهي من أهم العوامل التي تؤثر في حسن اتخاذ القرار الخططي في أثناء المباريات.
إن المدرب يعاتب لاعبيه على سوء التصرف في أثناء المباراة، ولكن يجب أن يعاتب المدرب نفسه لعدم عنايته بالإعداد الذهني وتنمية القدرات العقلية للاعبين. وتنمية القدرات العقلية للاعب هي التي تجعله لاعباً خلاقاً، يعرف كيف يتحرك في الملعب بوعي، وكيف يستخدم المهارات الأساسية المناسبة لمواقف اللعب المختلفة.
وقد شاهدنا على الطبيعة ونعده عبرة ودرساً لنا كيف تمكن المنتخب الأسترالي أو الياباني أو الكوري من الفوز بنتيجة المباراة رغم تأخره ورغم أنه ناقص العدد، فِرق تمت تهيئتها ذهنياً بطريقة جعلتها لا تعرف اليأس، وأن في كرة القدم يستطيع الفريق أن يغير النتيجة في أي ثانية في زمن المباراة.
ــــ تجب علينا إعادة النظر في كل شيء، سواء ما يتعلق بالأندية وتعاقداتها، حيث إن التعاقد مع اللاعبين الأجانب في الخانات المهمة يقلل من قدرة اللاعبين المحليين في هذه الخانات، ومن ثم تتأثر المنتخبات من ذلك، والدليل أن بعض الفرق العربية لم تحرز هدفا واحداً في مبارياتها، أو التعاقد مع المدربين المؤهلين العارفين بواجباتهم والقادرين على تحقيق الإضافة المطلوبة، كما تجب إعادة هيكلة إدارات الأندية والمنتخبات، بحيث تأخذ الشكل التخصصي في كل وحدة من وحداتها.
ــــ وتقع على عاتق الإعلام الرياضي المسؤولية الكبرى في حل المشكلات التي تعيشها الكرة العربية، وعلى الإعلاميين الاضطلاع بدورهم الحقيقي في التوجيه والإرشاد والتوعية وطرح المقترحات والآراء التصحيحية، بل عليهم تقع مسؤولية الإعداد النفسي والذهني لدى اللاعبين بالأساليب الإعلامية المعدة لهذا الغرض.
ولوجنا في هذا المعترك الدولي في كرة القدم يفرض علينا التعامل باحترافية في كل أمورنا الإدارية والفنية، وعلينا التخطيط من أجل بناء جيل جديد من الناشئين والشباب وفق هذه الأسس الاحترافية لنحقق الإنجاز الذي ننشده حتى لا يتجرع أطفالنا طعم الهزيمة المر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي