أثر العوامل الاقتصادية في القرار السياسي في العالم العربي والإسلامي (2)

بطبيعة الحال لا يمكن إيفاء هذا الموضوع حقه في هذه العجالة، لكننا ننبه القارئ إلى الخطوط الأساسية الحاكمة لهذه العلاقة الأزلية بين الاقتصاد والسياسة. فالصحيح هو أن الاقتصاد يوجّه السياسة، لكن الصحيح أيضا هو أن هناك عوامل تجعل الفاصل بين المقدمات والنتائج هائلا، وربما فاصلا قاطعا للعلاقة أصلا. ففي مواقف معينة، هناك أوضاع اقتصادية تتطلب قرارات سياسية مباشرة، لكن هذه القرارات تتصادم مع معطيات أخرى كالأمن والبعد الاجتماعي والسيادة والحرج وغيرها. ولعلنا نلفت النظر إلى أن القرار الاقتصادي للمستثمر تختلف نسبة السياسي فيه من ظرف إلى آخر، وهذه التركيبة تختلف عن قرارات الدول التي يداخلها بالطبع وفي ظروف معينة تحيزات أو خيارات مختلفة. المهم أن قضية تقييم أهمية العامل الاقتصادي في قرار المستثمر هو قرار اقتصادي بحت تقريبا في معظم الأحوال، وسنرى فيما بعد أن السعي إلى المزايا الاقتصادية دون نظر إلى ما حولها أثار جدلا في القضايا الحساسة مثل الصراع العربي الإسرائيلي والعلاقات السياسية الحادة بين بعض الدول، حيث تسن هذه الدول تشريعات تحظر التعامل الاقتصادي عموما مع خصومها من الدول الأخرى. فقد بلغ عدد الدول التي طبقت عليها واشنطن عقوبات اقتصادية ومالية ونقدية وجمركية وضريبية أكثر من 50 دولة، بما فيها دول حليفة سياسيا، لكنها ''غريم اقتصادي''، ذلك أن هذه العقوبات تكون إما انتقاما من إجراء مماثل من جانب الدولة الأخرى أو رغبة في الضغط على الدولة الأخرى حتى تمتثل لمعايير أو مواقف معينة تريدها الدولة التي تفرض العقوبات. وقد يصل الضغط أحيانا إلى مجرد التهديد بوقف دفع حصتها في منظمة دولية مثلما فعلت واشنطن مع اليونسكو خلال ترشيح وزير الثقافة المصري لمنصب المدير العام، رغم علاقة التحالف الرسمية على الأقل من مصر والولايات المتحدة، وكان ذلك دعما للموقف الإسرائيلي المعلن.
وفيما بين الدول العربية، لا تزال نسبة التبادل التجاري والاستثمارات تراوح بين 8 و10 في المائة منذ نصف قرن، وهى النسبة نفسها بين الدولة الإسلامية، رغم القرارات السياسية والاقتصادية الصادرة من القمم العربية والإسلامية بإنشاء مناطق تجارة وتنشيط العلاقات التجارية، ورغم الجهود الهائلة للبنك الإسلامي للتنمية في هذا القطاع.
وقد حاولت دراسة أسباب غياب وجود قرار اقتصادي عربي أو إسلامي لتحقيق التكامل، فاتضح أنه في بعض الحالات يكون القرار السياسي رغم مكوناته الاقتصادية هو الأسمى، كما أنه في حالات أخرى فإن ارتباط الاقتصاديات العربية والإسلامية بحركة الاقتصاد الدولي، وكذلك العملات وغيرها من مكونات الحياة الاقتصادية والتجارية في الدول العربية هي التي تملى عليها مسارات محددة في كثير من الأحيان، رغم انصراف النية الصادقة إلى دعم العلاقات الاقتصادية. ويرتبط ذلك بالطبع بتوجيه متعمد أحيانا لبعض الاقتصاديات العربية بحيث تظل مرتبطة بمركز رئيس مثل واشنطن أو الاتحاد الأوروبي، التي هي الشريك الأول والثاني في كل الأحوال مع العالم العربي. صحيح أن اقتصاديات النفط تحتم على الدول النفطية نسقا معينا في التعامل الاقتصادي، إلا أن عدم رغبة الغرب في نشأة كيان اقتصادي عربي متكامل يهدد إسرائيل يظل أحد أهم معوقات الوحدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي