تجربة إسكانية سعودية رائدة تستحق الإشادة
نظمت مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، خلال الفترة 24 - 26 كانون الثاني (يناير) من العام الجاري في الرياض، ندوة بعنوان: (أفضل الممارسات المهنية في مجال البرامج التنموية لتحسين الأحوال المعيشية للفقراء)، بمشاركة حشد كبير من المختصين في مكافحة الفقر من داخل المملكة وخارجها.
من بين أبرز الأهداف التي أقيمت من أجلها الندوة، تسليط الضوء على الممارسات المهنية المختلفة في مجال البرامج التنموية الموجهة لتحسين أحوال سكان المجمعات السكنية الخيرية، من خلال التعرف على التجارب الرائدة والفاعلة في مجال التنمية المجتمعية، والاستفادة من أفضلها، التي تخدم مفهوم الإسكان التنموي، إضافة إلى الاستفادة من تلك التجارب، في تطوير مشروعات الإسكان الخيري في المملكة؛ لأن تكون مراكز نمو وازدهار وتطور.
من بين أبرز أهداف الندوة أيضا، الاستفادة من التجارب المحلية والعربية والإقليمية، بما في ذلك الدولية، في مجال مكافحة الفقر، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، دمج الفقراء في المجتمع، من خلال تمكينهم من المشاركة الفاعلة في تنمية مجتمعاتهم، إضافة إلى نشر الوعي المجتمعي بثقافة الإسكان التنموي، كقيمة مستدامة للساكن والسكن. كما هدفت الندوة، إلى تبادل الخبرات ونقل المعرفة والتقنية في مجال البرامج الهادفة، إلى تحسين أوضاع الفئات الفقيرة، بما في ذلك المساهمة في وضع بنية أساسية وبناء قاعدة معلوماتية شاملة للمختصين والممارسين في مجال البرامج التنموية؛ بهدف تعميق الاستفادة من الممارسات الناجحة في مجال تحسين وضع الفقراء بما يتناسب مع الثقافة السائدة في المحيط المجتمعي من حولهم.
لربما البعض يتساءل عن الأسباب التي دعت بمؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي، إلى تبني إقامة مثل تلك الندوة، وبالذات وأن الندوة ركزت على مناقشة أفضل الممارسات المهنية في مجال البرامج التنموية لتحسين الأحوال المعيشية للفقراء، في حين أن أهداف المؤسسة تتركز في توفير المساكن المناسبة للفئات الأشد حاجة إلى السكن في المجتمع السعودي. الإجابة عن هذا التساؤل، تتطلب معرفة الدور التنموي في مجال الإسكان، الذي تقوم به مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي، منذ إنشائها في عام 2002، والمتمثل في القيام بتنفيذ مشروعات إسكانية ذات طابع تنموي، مكتملة الخدمات والمرافق في جميع أنحاء السعودية، إضافة إلى اضطلاعها بتنفيذ مشاريع إسكانية تنموية أخرى ذات أبعاد اجتماعية، تسهم بفاعلية في تطوير الأحياء العشوائية، ومناطق النازحين. من هذا المنطلق، فإن المؤسسة تسعى من خلال الندوة، إلى توثيق أفضل الممارسات المهنية في مجال مكافحة الفقر؛ لتكون نواة لحصر جميع البرامج التي أثبتت جدواها في مناطق أو دول معينة، بقصد تعميم الفائدة منها بجعلها قابلة للتطبيق في المملكة، وبالذات في مجالات عمل المؤسسة والبرامج التنموية، التي تنفذها بهدف تحسين الأوضاع المعيشية والاجتماعية والاقتصادية لقاطني المجمعات السكنية التي تقوم المؤسسة بتنفيذها، إضافة إلى أن فلسفة المؤسسة في بناء المجمعات السكنية تتسق تماما مع التجارب التنموية التي تناولتها الندوة، والتي تستند إلى المفهوم التنموي نفسه، الذي تتبناه المؤسسة في تمكين الفقراء المستهدفين بمشروعات الإسكان التنموية من تحسين أوضاعهم المعيشية والاجتماعية والاقتصادية، من خلال منحهم مساكن عصرية في تجمعات سكانية متجانسة، ومن خلال تمكينهم ذكورا وإناثا، صغارا وكبارا، من الالتحاق ببرامج تنموية فعالة على أمل، أن يصبحوا أفرادا فاعلين وقادرين على انتشال أنفسهم من بوتقة الفقر والعوز، ومن ثم المساهمة الفاعلة في بناء المجتمع.
جدير بالذكر، أن مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي منذ إنشائها، قامت بتنفيذ عدد كبير من المجمعات السكنية في عدد كبير من مناطق ومحافظات المملكة، احتوت على عدد كبير من الوحدات السكنية التي تم تسليمها للمستنفدين، أما التي لا تزال قيد التسليم، أو تحت التصميم والتنفيذ، والتي تجاوز عددها تسعة آلاف وحدة سكنية، فتم تجهيزها بجميع المرافق والخدمات الأساسية، مثل المراكز الإدارية، والمدارس، والمساجد، بمساحات تتناسب واحتياجات سكان تلك المجمعات. فعلى سبيل المثال، احتوى المجمع السكني الواقع في محافظة صامطة في منطقة جازان، على 372 وحدة سكنية، وتسعة مرافق للخدمات، من بينها مسجد يتسع لـ 750 مصلى ومركزا إداريا ومدرسة بنين تحتوى على 16 فصلا ومدرسة بنات تحتوي على 16 فصلا، إضافة إلى احتواء المجمع على مركز صحي، ومركز اجتماعي، ومركز تدريب وتأهيل، ومبنيين معدين للاستثمار.
من بين أبرز البرامج التنموية، التي تتبنى تنفيذها مؤسسة الملك عبد الله لوالديه للإسكان التنموي لساكني المجمعات السكنية التي تقوم بتنفيذها، برامج المنح الدراسية (التي تم من خلالها بالاتفاق التعاوني مع الصندوق الخيري الوطني، إرسال 60 طالبا وطالبة من سكان المجمعات السكنية للدراسة في المعاهد الصحية)، وبرنامج القروض الصغيرة (التي استفاد منها عدد كبير من المقترضين في تأسيس عدد كبير من المشاريع الصغيرة)، وبرنامج الأسر المنتجة، المدعوم من برامج عبد اللطيف جميل لخدمة المجتمع، التي استفاد منه عدد كبير من الأسر المنتجة في مجالات إنتاجية عدة.
خلاصة القول، إن تجربة مؤسسة الملك عبد الله لوالديه للإسكان التنموي، تعد تجربة فريدة من نوعها ليس على المستوى المحلي فحسب، بل حتى على المستوى الدولي؛ كونها تخطت مجرد توفير المساكن للمحتاجين، إلى تحويل قاطنيها إلى أفراد منتجين، قادرين على المساهمة الفاعلة في بناء المجتمع، من خلال إلحاقهم بعدد من البرامج التنموية، التي تعمل عل صقل قدراتهم الذاتية وتنميتها لصالحهم ولصالح التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها المملكة، والله من وراء القصد.