قنوات تعليمية .. لماذا؟!
في ظل الزخم المتعاظم، والهائل من الدراسات والبحوث، والدرجات العلمية، التي تناولت مشكلات التعليم بأسرها من تقليدية الأداء، وحشو، وتكدُّس في المناهج والمقررات الدراسية إلى تنامي ظاهرة الدروس الخصوصية، وظهور بعض الظواهر الغريبة على مجتمعنا، مثل: تفشي العنف بين طلاب وطالبات المدارس، فضلا عن التسرب من التعليم وعدم انتظام بعض الطلاب في الدراسة في مدارسهم وتغيبهم عن الفصول، خاصة مع نهاية العام، وغير ذلك من المشكلات العديدة التي تحاصر التعليم في المملكة والدول العربية كافة! يبقى التفكير في حلول غير تقليدية لكل تلك المشكلات، مهما وواجبا، والاستفادة من خبرات الدول المتقدّمة في هذا الخصوص؛ ومواكبة التطور التقني الهائل؛ حتى نلحق بمسيرة التقدُّم، خاصة مع توافر أقمار اصطناعية عربية ذات انتشار واسع؛ وآن الأوان أن نشرع في بث قنوات متخصصة للتعليم بخلاف قناة للبحث العلمي وأخرى للتعليم العالي؛ لتضطلع بدور حيوي وفعال في حل أزمة التعليم في المملكة، حيث إنه من الممكن وعن طريق التعاون المثمر والفعال بين وزارتي الإعلام والتربية والتعليم أن ننشئ كيانا جديدا وصرحا تعليميا متكامل الأركان يؤثر في العملية التعليمية من خلال قنوات تعليمية متخصصة، تضم قنوات التعليم الثانوي، التعليم المتوسط، التعليم الابتدائي، التعليم الفني، محو الأمية، المعارف.
فرغم توافر القنوات الفضائية السعودية الرسمية الخاصة، منها والمتخصصة، إلا أننا لم نر قناة فضائية تعليمية سعودية واحدة حتى الآن، على الرغم من حاجتنا الماسّة إلى روافد تعليمية إعلامية، تسهم في رفع مستوى مخرجات التعليم، ورغم أن الخطة العشرية قد اعتمدت في عهد وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور محمد بن أحمد الرشيد تضمنت مشروع إنشاء قناة تعليمية، إلا أن ذلك لم يترجم عمليا..!
ولكي يتم تفعيل دور تلك القنوات الوليدة، لا بد لنا أن نعي جيدا طبيعة هذا المجال وما يمكن أن يكون له من تأثير إيجابي في العملية التعليمية، وأن نستفيد من تجارب وخبرات الدول المتنوعة التي سبقتنا في هذا الشأن؛ حتى أصبح لديها جامعات مفتوحة تبث مقرراتها الدراسية عبر شاشات التليفزيون وتمنح طلابها الدرجات العلمية. ولا يمكن إغفال القيمة المضافة لاستخدام تقنيات الأقمار الصناعية، وهذه المزية ستفيد كثيرا في استخدام النظام التفاعلي في التعليم؛ فيتمكّن الطالب من مشاهدة المواد والبرامج التي يريدها هو فقط في أي وقت، ويمكنه استرجاع البرنامج مرة أخرى، كما يحدث تقويم مستمر من خلال الأسئلة والإجابات المتبادلة.
أصبح التلفاز المدرسي ركنا مهما، في فصول الدراسة والمعامل وحجرات المشاهدة، حيث يتابع الطلاب بمعاونة مدرسيهم تلك البرامج التعليمية التلفازية التي باتت جزءا لا يتجزأ من المنهج الدراسي بما تحويه من استخدام للتقنيات الحديثة، تعتمد على الصورة كعنصر جذب ووسيلة مبتكرة لتبسيط وشرح المواد، هذا إلى جانب خاصية نظام التعليم التفاعلي، حيث يتمكن الطلاب من مشاهدة الدرس الذي يريده في الوقت الذي يختارونه وتحدث مشاركة وتجاوب بين الطالب والبرنامج من حيث التقويم والاختبار.
وأرى أن للمدرسة دورا مهما وحيويا في العملية التعليمية، لا يمكن لبرامج التلفاز التعليمي أن تلغيه، حيث يتعذّر تكرار دور المدرسة في برامج التلفزيون التعليمي من حيث طريقة شرح المناهج والاهتمام بالمحتوى العلمي الذي تحويه دفتا الكتاب المدرسي فقط، وإعطاء الأولوية للمراجعات والأسئلة والإجابات النموذجية وتحفيز الطلاب وتدريبهم على مهارات الإجابة استعدادا للامتحان.
فلا نعلم إلى الآن سببا وجيها لتأخر بث مثل هذه القنوات التعليمية المهمة، ويُسأل عن ذلك المختصون، لكن قد يكون هناك أسباب أخرى فنية، مثل: فكرة احتضان تلك القنوات؛ وتوفير جميع الإمكانات اللازمة لها ماديا وفنيا وبشريا؛ لما سيكون لها من التأثير الكبير في نفوس أبنائنا الطلاب والطالبات فمن المعروف أن تكلفة إنتاج البرنامج التعليمي تكون عالية نسبيا مقارنة بالبرامج الأخرى.
هذا إلى جانب ضرورة توفير الكوادر، والكفاءات البشرية الفنية القادرة على العمل في هذا المجال وتدريبها تدريبا جيدا في الداخل والخارج؛ فما زال ينقصنا المعد الجيد للبرامج التعليمية الذي يعرف كيف يستفيد من أدوات التلفزيون المتنوعة؛ لإبراز مادته العلمية الجافة وجعلها محببة إلى نفوس الطلاب باستخدام كل وسائل الجذب والتشويق وربط المادة التعليمية بالحياة والحفاظ على إيقاع برنامجه، وهذا سوف يتأتى لو تم اختيار عدد كبير من المدرسين المتميزين، الذين يتمتعون بخيال خصب وقدرة على الإقناع في مختلف مواد الدراسة، وتأهيلهم للعمل في هذا المجال الجديد عليهم؛ فنلحقهم بدورات تدريبية مكثفة، ثم يتم إرسال المبدع منهم إلى الدول المتخصصة في هذا المجال، مثل: اليابان، إنجلترا، هولندا، وعند عودة هؤلاء يتفرغون تماما لهذا العمل وهو إعداد البرامج للقنوات التعليمية، حيث يتطلب هذا العمل تفرغا دائما ويتم الأمر نفسه مع مقدمي البرامج والمخرجين..!
فهل نرى قريبا قنوات تعليمية، تبث برامجها قريبا ؟!