المطار.. وتنويع مصادر الدخل

منذ خطة التنمية الخمسية الأولى للمملكة (1390 ـــ 1395هـ)، دأبت الحكومة على التوكيد في أهداف خططها على رغبتها في تنويع مصادر الدخل الوطني، وتقليص الاعتماد على النفط كمصدر للدخل. لكن على الرغم من مرور كل تلك السنين، يمكن القول إن ما تم إنجازه في ذلك السبيل يعد متواضعا بكل المعايير، ولا يزال أمامنا الكثير مما ينبغي عمله. صحيح أن الدولة نجحت في إنشاء مجمعات صناعية كبرى في كل من الجبيل وينبع تدر المليارات من الدخل سنويا، إلى جانب ما وفرته من فرص عمل، إلا أنها تظل معتمدة بشكل مباشر على النفط، ولا يمكن تصنيفها كمصدر دخل بديل.
غير أنه في السنوات الأخيرة برزت نماذج ناجحة لاستثمارات يمكن تصنيفها ضمن مفهوم مصادر الدخل البديلة، كالاستثمار في قطاعي الاتصالات والموانئ البحرية اللذين أصبحا من بين الروافد الجيدة لإيرادات الخزانة العامة غير النفطية. ثم هناك مشاريع التعدين العملاقة في رأس الزور, التي سنقطف ثمارها قريبا ـــ بإذن الله. كما أن هناك بالطبع، إلى جانب الاتصالات، الموانئ، والتعدين، فرصا أخرى يمكن تحفيزها للمشاركة ضمن جهود الدولة لتنويع مصادر الدخل وتوفير فرص عمل. من بين تلك الفرص الواعدة خدمات السياحة، المطارات، وغيرهما من نشاطات خدمية تتمتع المملكة فيها بمزايا اقتصادية.
ولعل من حسن الطالع لمشروع مطار الملك عبد العزيز الدولي الجديد أن الدائرة التي يقع في وسطها بشكل مباشر أنفقت أو ستنفق فيها الدولة والقطاع الخاص استثمارات ضخمة من شأنها تعزيز فرص نجاحه التجارية. فهناك ميناء جدة الإسلامي، قطار الحرمين، الجسر البري (الخط الحديدي) بين شرق وغرب المملكة، شبكة الطرق السريعة، المجمعات الصناعية في رابغ، ومحطات إنتاج الكهرباء وتحلية المياه المالحة.
فعلى سبيل المثال سجلت التجارة العابرة عن طريق البحر الأحمر (المسافنة Transshipment) في ميناء جدة الإسلامي معدلات نمو عالية تفوق نسبة 20 في المائة سنويا، وبلغت في مجموعها في العام المنصرم وحده 2010 نحو مليوني حاوية مكافئة (كونتينر طول 20 قدما)، وهو أداء يحسب للمملكة في السوق العالمية للشحن البحري. ومن المتوقع أن تزداد تلك الكمية بشكل ملحوظ في الأيام القادمة مع الاستثمارات الجديدة في الميناء، وأبرزها محطة ''بوابة البحر الأحمر'' المخصصة للحاويات، وإنشاء الجسر البري الذي سيستهل مساره من الميناء لنقل حصة من البضائع القادمة من أوروبا بحرا إلى دول الخليج العربي وبعض الدول الآسيوية الأخرى.
ذلك التركيز الذي أولته الدولة للاستثمار في الموانئ لتطوير خدمات شحن البضائع ومناولتها أتى أكله على عدة محاور، من بينها زيادة دخل الميناء ومن ثم الجمارك، توفير وظائف جديدة، والأهم من ذلك كله خفض أجور الشحن لواردات المملكة من البضائع، وكذلك خفض أجور الشحن للصادرات الصناعية وغيرها ما يوفر لها ميزة تنافسية قيّمة.
تلك المزايا التنافسية التي تتمتع بها المملكة في قطاع الموانئ البحرية يمكن للمطار الجديد أن يضيف إليها، كما يمكنه توظيفها لتحقيق أهدافه. إذ أصبح الشحن الجوي اليوم يشكل حلقة لا يستهان بها في سلسلة النقل متعدد الوسائل ببوليصة شحن واحدة تنتقل من المصدر إلى الوجهة النهائية بأقل تكلفة وأسرع وقت، وإن ما يسمى ''قرى الشحن'' أصبح أمراً مألوفا في المطارات الدولية. بمعنى آخر هناك فرصة اقتصادية جيدة لتبادل نقل البضائع العابرة من خلال جهد تكاملي مشترك بين كل من المطار والميناء، على أن يشارك في ذلك البرنامج قطار الجسر البري عند اكتماله، وبذلك يمكن للأطراف الثلاثة زيادة إيراداتها وتقوية مراكزها التنافسية أمام مقدمي خدمات الشحن الآخرين في الدول المجاورة.
إننا نتطلع إلى مشروع المطار الجديد أن يكون محركا اقتصاديا فاعلا في منطقة مكة المكرمة وموردا لدخل يعزز الروافد الأخرى غير النفطية، وهو هدف ينبغي ألا تغيب عنه أعيننا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي