Author

هل نجح مؤتمر الجودة في التعليم؟

|
عقد الأسبوع الماضي المؤتمر الدولي (الأول) للجودة في التعليم العام برعاية خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ ويحسب للوزارة اختيار هذا الموضوع الحيوي والمهم في تحسين مستوى وجودة التعليم العام، كما أن استعراض تجارب عدد من الدول في تطوير التعليم مثل فنلندا وماليزيا والكويت والإمارات، يعد إضافة جيدة للمؤتمر على اعتبار تعلم بعض الدروس المستفادة، مهما كانت قاسية، من تجارب هذه الدول ونقلها إلى المملكة .. ولكن؟ ورغم الجهود المبذولة من اللجنة المنظمة للمؤتمر، نقول "لكن" لأن أي مؤتمر يفترض أن تكون له أهداف، ويشارك فيه جميع الأطراف ذات العلاقة، ولا يتعارض مع مشاريع أخرى بل يتكامل معها، ويخرج بتوصيات عملية، واضحة ويمكن تحقيقها، فهل تحققت هذه المعايير في مؤتمر الجودة في التعليم العام؟ من أهم الملاحظات العلمية والعملية على المؤتمر ما يلي: 1 ـــ تم التأكيد في افتتاح المؤتمر على كلمة وتوجيه خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ حول ضرورة التركيز على الجودة في كل المشاريع والخدمات المقدمة، وهو مبدأ عظيم وتوجيه سديد، إلا أن التحدي يكمن في ترجمة هذا المبدأ إلى واقع، وليس فقط كلاما وأحلاما. يشير موقع المؤتمر إلى أن الهدف من هذا المؤتمر هو عرض أفضل الممارسات العالمية في التعليم مع تحديد وتقييم خطط وبرامج تطوير التعليم العام في وزارة التربية والتعليم. ما رأيناه في المؤتمر عروض لعدد من الدول، مع التركيز على إنشاء الهيئات والمراكز الخاصة بجودة التعليم في بعض هذه الدول، ورغم أن هذه العروض والمعلومات إيجابية وتضيف للمؤتمر، إلا أنه كان من المتوقع عرض دراسات وإحصائيات مستقلة حول وضع ومستوى وجودة التعليم في المملكة، فلم يتعرض المؤتمر، لا من قريب ولا من بعيد، لوضع التعليم العام في المملكة، وهي المرحلة الأولى المطلوب تنفيذها وعرض نتائجها عند الحديث عن جودة التعليم. فخلال أيام المؤتمر الأربعة لم يكن هناك أي حديث أو مناقشة لمستوى جودة التعليم في المملكة، قصور جذري في المؤتمر قد يفسر على أنه تجاوز وتهرب من المؤتمر للحديث عن واقع التعليم العام في المملكة وما آلت إليه المحاولات المتكررة لتطوير التعليم، وبدلاً من ذلك لاحظنا في المؤتمر السكوت القاتل والحديث عن المشكلات التعليمية في العالم كله إلا السعودية. 2 ـــ عدم وضوح العلاقة بين مؤتمر الجودة في التعليم العام مع مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم, الذي تم إقراره من مجلس الوزراء قبل ست سنوات تقريباً (عام 1426هـ)، ولم ير النور حتى الآن، مشروع تضمن عدة محاور وهي: تطوير المعلمين والمعلمات، تطوير البيئة التعليمية، والنشاطات اللاصفية، وتطوير المناهج. ففي جلسات المؤتمر لم يتم عرض أو مناقشة مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم والمحاور التي يتضمنها وعلاقته بتحسين جودة التعليم، ولم تتم مناقشة نتائج تطبيق هذا المشروع على مدى ست سنوات مضت في تجويد مدخلات أو عمليات أو مخرجات التعليم العام، إن كان هناك من نتائج من هذا النوع، بل إنه يلاحظ، من خلال متابعة جلسات المؤتمر وتوصيات بيان المؤتمر، تجنب الحديث عن هذا المشروع وكأنه لا يوجد! مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم مشروع يتبع لجنة وزارية عليا، ويفترض أنه تم اعتماده من أجل رفع جودة التعليم العام. كما أن عدم مناقشة مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم وعلاقته بجودة التعليم في المؤتمر قد يتم تفسيره على أن هناك تشتتا وعدم تنسيق فيما يخص تطوير التعليم، وهذا ما تدعمه بعض الحقائق، مثل ما يحصل في مشروع تطوير مناهج العلوم والرياضيات, الذي يتم تنفيذه داخل الوزارة، مشروع صرف عليه مليار تقريباً وتمت ترجمة كتب علوم ورياضيات أمريكية، على أيدي معلمين ومعلمات في دولة عربية مجاورة! مشروع يتعارض مع أهداف مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم، الذي يتضمن في أحد محاوره المناهج، ويتعارض مع مبادئ الجودة. 3 ـــ تم الإعلان في المؤتمر عن مبادرات وشراكات ودعم من القطاعين الخاص والعام لتطوير التعليم في مجالات تطوير المعلمين والمعلمات والقيادات التعليمية، مبادرات غير مفهومة وغير مبررة، فهناك مشروع قائم باسم خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم، أحد محاوره تطوير المعلمين والمعلمات، وميزانية قدرها تسعة مليارات قابلة للزيادة، فهل مشكلة التعليم في المملكة مالية حتى نبحث عن تمويل خارجي؟ أم أن المشكلة في عدم وجود جهاز إداري مؤهل لإدارة مشروع تطوير التعليم حتى نبحث عن جهات خارجية لتنفيذ هذه المشاريع؟ وغيرها من التساؤلات حول ضبابية وعدم وضوح موقف ونسبة إنجاز وتوجه مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم. 4 ـــ لم تكن هناك أي مشاركة أو مدخلات أو تقييم مستقل لجودة التعليم العام من قبل أطراف ثالثة أو خارجية ذات علاقة مع مخرجات التعليم العام، فلم تكن هناك مشاركة للجامعات السعودية، المستفيد الأول من مخرجات التعليم، وطرح رؤيتها وتقييمها مستوى مخرجات التعليم العام، أو مؤسسات قياس وتقويم مخرجات التعليم العام مثل المركز الوطني للقياس والتقويم، أو من القطاع الخاص أو من مؤسسات التعليم التقني والمهني. فالمملكة، سواءً في الجامعات أو المؤسسات العلمية أو المراكز البحثية، تزخر بالخبرات المحلية في جميع المجالات، ويجب التركيز عليها والاستفادة منها أولاً وأخيرا إذا كنا نريد التطوير الحقيقي. ويبدو أن هذا الأسلوب، أسلوب العمل الفردي أو العمل كجزر منعزلة، أصبح الأسلوب السائد للعمل في الجهات الحكومية، فليس من المعقول مناقشة الجودة في التعليم العام دون مشاركة جميع الجهات العاملة في قطاع التعليم ومنها وزارة التعليم العالي والجامعات السعودية ومؤسسة التعليم التقني والمهني، وليس من المعقول مناقشة الجودة في التعليم دون أن تكون هناك مصارحة وشفافية وواقعية وحيادية في الطرح، فلسنا في حاجة إلى مشاريع تطوير التعليم لو كان مستوى وجودة التعليم متقدماً، ولسنا في حاجة إلى صرف المبالغ الطائلة على تطوير التعليم لو كان مستوى وجودة التعليم متقدماً، مشاريع وأموال وجهود تتبعثر وتتكرر في ظل العمل اللامنهجي واللامتكامل. 5 ـــ في استعراض بعض التجارب الدولية، لوحظ أن طرح بعض المتحدثين في هذه الدول يفتقد الاحترافية والمهنية في الطرح العلمي والمستقل، فطريقة التسويق والدعاية، حتى العرض المباشر للحصول على عمل مع الوزارة أو جهات أخرى في المملكة كانت على مرأى ومسمع من الجميع، وخلال التقديم الرسمي لأوراقهم، مع المجاملات وكيل المديح لأشخاص بأسمائهم، أسلوب لم نعهده في مؤتمرات علمية خارجية، ويبدو أن هدف بعض المشاركين هدف مادي بحت، وهو حقيقة وواقع، ولم يكن ليتجرأ هؤلاء على اتباع مثل هذا الأسلوب غير الاحترافي لو لم يجدوا بعض التشجيع، وهذا لا يحصل في الدول المتقدمة، لكنه يحصل في المملكة. إنها مصيبة ومن غير المقبول أبداً أن يأتي أي شخص مهما بلغ علمه وخبرته، وخلال عرض شفهي، ويدعي قدرته على تقديم الحلول لمشكلات التعليم في المملكة، والمصيبة أعظم أن تجد مثل هذه الادعاءات القبول والدعم من البعض. 6 ـــ في إحدى جلسات المؤتمر، تمت استضافة عدد من الطلبة والطالبات، جلهم من دول مختلفة مثل أمريكا وبريطانيا والهند والفلبين وتونس وغيرها ليتحدثوا عن الجودة في التعليم من وجهة نظر الطلبة، وكنا نتمنى، ونحن في العاصمة السعودية الرياض وفي مؤتمر دولي سعودي ممول ومدعوم بسخاء من ميزانية الدولة، أن نرى أبناءنا وبناتنا ومن المدارس الحكومية يتحدثون بدلا من أبناء وبنات دول أخرى، فهدفنا تطوير التعليم في المملكة وليس في دول أخرى، فإذا كنا لا نستطيع تطوير التعليم، فأقلها أن نستمع لأبنائنا، فهذا أقل حقوقهم وأقل تقدير لهم. كما أنه ليس من الواضح ماهية هؤلاء الطلبة والطالبات الأجانب، هل هم يمثلون دولهم وبالتالي الأنظمة التعليمية لهذه الدول؟ حسب التقديم الرسمي لهؤلاء الطلاب، مع عرض الأعلام الرسمية لهذه الدول، فإنهم يمثلون دولهم ويتحدثون عن الأنظمة التعليمية لهذه الدول، إلا أن الأمر قد يبدو مختلفاً، فهؤلاء الطلبة والطالبات ليسوا إلا طلاباً، كلهم من أصل عربي، ما عدا طلبة يحملون الجنسيتين الهندية والفلبينية، يحملون جنسيات غربية ويدرسون في مدارس عالمية في المملكة، الرياض أو غيرها من مدن المملكة، ويتحدثون عن وجهة نظر الطلبة السعوديين حول جودة التعليم في المملكة. كما أن وجهة نظر الطلاب لم تكن إلا عبارة عن كلمات تم ترتيبها سابقاً، وهي لا تمثل دراسة علمية موثقة تعتمد على استطلاع رأي شريحة ممثلة للطلبة والطالبات في المملكة، ويقوم على هذه الدراسة فريق أو جهة متخصصة ومستقلة مالياً وإدارياً عن وزارة التربية والتعليم. ونتساءل هنا حول الهدف من الاستعانة بمجموعة من الطلبة والطالبات الأجانب الذين يدرسون في مدارس عالمية للحديث عن جودة التعليم العام في المملكة؟ وهل يمكن اعتبار هذه الآراء المطروحة من هؤلاء الطلاب آراء علمية يمكن الاعتماد عليها في بناء توصيات المؤتمر؟ هل نجح مؤتمر الجودة في التعليم؟ في ظل عدم تحقيق أهداف المؤتمر، وفي ظل عدم مشاركة الأطراف الرئيسة في المؤتمر، وفي ظل تعارض المؤتمر مع مشاريع تعليمية قائمة من أهمها مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم، وفي ظل تقديم توصيات ومبادرات لا تتعامل مع المشكلة الحقيقية للتعليم؟ في ظل هذه المعطيات، فإن النتيجة: لم ينجح أحد! وللحديث بقية ...
إنشرها