مزعجون في المساجد

يأتي المسلم إلى المسجد عندما يسمع النداء، وقد يطيب له الجلوس في المسجد قبل أداء الصلاة أو بعدها، فهو يشعر بأنه يرتاح فيه إذا ضاقت نفسه يوما بالحياة فلم يعد يطيق آلامها وقسوتها، فيلجأ إلى كتاب الله فيقرأ كلامه الجميل المحبب إلى النفس فتطيب نفسه، ويشعر بالسعادة والراحة، كما أن هذه الراحة والسعادة تكون أكبر وهو يؤدي الصلاة بخشوع وطمأنينة، مستمدا هذه الراحة والسعادة من التوجيه النبوي الكريم للمصطفى ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ لبلال ـــ رضي الله عنه ـــ (أرحنا بها يا بلال) أي الصلاة، كما يقول عنها أيضا ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ (وجعلت قرة عيني في الصلاة)، ولهذا فإن المساجد وتأدية الصلاة فيها تجلب للمسلم كل سبل الراحة لمن عرف حقها وأداها كما يحب ربنا، كما أن المسلم إذا شعر بالحاجة إلى الشكوى فلم يجد من يشكو إليه فعليه أن يتذكر أن له رباً رحيماً يسمع شكواه ويجيب دعواه، ولهذا فليس غريبا أن تكون فرحة كثير منا كبيرة عندما يدلف إلى بعض المساجد، وهي في أحسن حال لا تعاني شيئا بفضل الله وكرمه، فنظافة المسجد هي عنوان لهذا المسجد ورواده، كما أن انضباط المصلين وتفرغهم للعبادة وعدم التفرغ للأحاديث الجانبية التي تشوش على المصلين تميزهم عن غيرهم في مساجد أخرى، ويأسرك المسجد بمكتبته العامرة التي فيها ما لذ وطاب من الكتب النفيسة، ومثل هذه المساجد تعتبر نموذجية في كل شيء، خاصة أنها تجمع مع ذلك كله توافر سبل الراحة، وعدم وجود أي من المنغصات والعادات المذمومة، فيما يتألم أحدنا عندما يجد عكس ذلك تماما، عندما يذهب إلى مسجد فيجده يعج بالفوضى الممقوتة، وتبادل العبارات غير المناسبة داخل المسجد، والصراع على من يصل الصف الأول حتى لو جاء متأخرا، وهذه عادة تصبح عند بعض الناس، الذي ما أن يأتي إلى المسجد إلا ويتوجه صوب الصف الأول وإن كان متأخرا وغيره سبقه بوقت كاف، وفي الجانب الآخر هناك من يحضر مبكرا ويبقى في مؤخرة الصفوف، وقد رأى رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ في أصحابه تأخرا، فقال لهم: (تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله). رواه مسلم، وكان سعيد بن المسيب ـــ رحمه الله ـــ يحضر إلى المسجد قبل الأذان واستمر على ذلك مدة لا تقل عن 30 سنة، فقد روى الإمام بن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال: (ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد)، ومن العادات المذمومة التي تصدر من بعض المصلين تخطي الرقاب خصوصا في صلاة الجمعة، ويقول عن ذلك الشيخ ابن عثيمين ـــ رحمه الله ـــ "إنه لا يتخطى الشخص حتى ولو إلى فرجة؛ لأن العلة وهي الأذية موجودة، وكونهم لا يتقدمون إليها قد يكون هناك سبب من الأسباب، مثل: أن تكون الفرجة في أول الأمر ليست واسعة، ثم مع التزحزح اتسعت، فحينئذٍ لا يكون منهم تفريط، فالأولى الأخذ بالعموم وهو ألا يتخطى إلى الفرجة، لكن لو تخطى برفق واستأذن ممن يتخطاه إلى هذه الفرجة فأرجو ألا يكون في ذلك بأس" انتهى كلامه. أتمنى أن تختفي مثل هذه العادات المذمومة داخل المسجد، نسأل الله أن يوفقنا إلى اتباع نهج المصطفى ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ إنه جواد كريم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي