إعفاء مسؤول .. ليس بناء على طلبه
أعفي مطلع هذا الأسبوع مدرب المنتخب الوطني بيسيرو بعد هزيمة المنتخب أمام المنتخب السوري بهدفين مقابل هدف واحد، ولست محللا رياضيا وإن كنت أعشق الرياضة وأهوى ممارستها لكنني سررت لذلك الإعفاء، ولكني لفترة شعرت بأن إعفاء المسؤولين من مناصبهم لإخفاقاتهم أصبح أمرا محظورا، خصوصا أن إخفاقات ذلك المدرب توالت عدة مرات وفي كل مرة تكون الأعذار حاضرة ويتم قبولها وإن كان على مضض.
هذه المرة أعفي هذا المسؤول ولكن ليس بناء على طلبه بل أعفي لإخفاقه ولم يأخذ قرار الإعفاء وقتاً طويلاً بل تم إصداره خلال ساعات من إعلان نتيجة المباراة، ولم يكن القرار مفاجئا لأحد سوى للمدرب نفسه في حين كان يتوقع الكثيرون صدور مثل هذا القرار ليس الآن بل منذ زمن ولكن قد يكون ذلك المستوى الهزيل والهزيمة القاسية في أولى مواجهات كأس آسيا هي القشة التي قصمت ظهر البعير.
قرارات الإعفاء من القرارات التي نفتقدها في كثير من المناصب الإدارية لدى بعض الجهات، فهناك مسؤولون موجودون في عدة جهات ويرأسون فرق عمل تتكرر إخفاقاتهم وتعلن باستمرار النتائج المأساوية التي تدل على سوء إدارتهم إن لم تكن تدل على الفساد المنتشر فيها، ومع ذلك يبقى أولئك المسؤولون أعواما عديدة وسنين متوالية، بل قد تتم ترقية بعضهم إلى مناصب أعلى على الرغم من سوء أدائهم وضعف كفاءتهم.
ولو قارنا نتائج أولئك المسؤولين بنتائج مدرب المنتخب الذي تم إعفاؤه فسنجد هناك تشابها كبيرا، فكلاهما يضع الخطط وكلاهما لديه فريق عمل وكلاهما توضع له الميزانيات الضخمة وكلاهما تعلق عليه الآمال من قبل أفراد المجتمع، وكلاهما يُعطى الفرصة تلو الأخرى عاما بعد عام وكلاهما يلقى التشجيع والتأييد، ولكن للأسف كثيرا ما يقدم كلاهما النتائج المخيبة للآمال فيعفى هذا ويبقى ذاك.. لماذا؟
أعتقد أن إجابة السؤال الماضي تكمن في أن نتائج المدرب مسلطة عليها الأضواء بشكل مباشر فقد سخر لها الإعلام الكثير فهو مسؤول عن إعلان خطته وتشكيلة فريقه وبالتالي فهو يحاسب على كل خطوة بل وكل كلمة يقولها، فضلا عن محاسبته على النتائج، أما المسؤول فهو بعيد عن المحاسبة وإن ظهر إعلاميا فقد يظهر في بداية وضع حجر أساس المشروع دون تقديم أي تفاصيل أخرى أو توضيح الأهداف أو النتائج المتوقعة أو فريق العمل الذي سيسهم في ذلك المشروع، بل يعتقد البعض أن إعفاءه مستحيل فهو في منصب مرموق وسيبقى فيه بغض النظر عما يقدمه من نتائج.
في بعض الدول الأوروبية يتم الإعلان عن إعفاء مسؤول ما وتوضيح سبب الإعفاء للتأكيد للمجتمع بأن من لا يقوم بالدور المطلوب منه فلن يستمر في المكان الموجود فيه، إذ إنه محاسب وينتظر منه تحقيق نتائج، وبعض أولئك المسؤولين الذين لا يستطيعون تحقيق ما هو مؤمل منهم أو يرتكبون أخطاء أثناء عملهم فإنهم يبادرون بأنفسهم إلى طلب الإعفاء والاستقالة اعترافا منهم بالتقصير واحتراما منهم للمجتمع وأفراده بل يشعرون بأنهم أخطأوا في حق المجتمع ببقائهم في مناصبهم وهم ليسوا أهلا لها.
أعتقد أنه من الضروري أن نسعى جميعا إلى أن نشجع مبادرات الإعفاء التي تعلن بين فترة وأخرى وأن نؤيد مثل هذه الخطوات التي من شأنها أن تسهم في وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب وأن يشعر المسؤول أنه محاسب وأنه غير مخلد على كرسي المسؤولية، وأن المسؤولية تكليف وليست تشريفا، يسأل عن نتائجها في الدنيا وسيسأل عنها في الآخرة.