معادلة الطاقة
كم مرة جلست مع شخص، وشعرت بأنك تخرج من عنده مملوءا نشاطا وهمة وحيوية، وأحسست أنه يبث موجات الإيجابية والنشاط حوله على مسافة نصف قطرها أمتار بعيدة.
وكم مرة جلست مع شخص، وخرجت من عنده وأنت تشعر أنه استل منك بقايا أي طاقة كانت لديك، وحطم فيك كل أمل كنت تحلم به، إنه ينشر في الأجواء حوله رذاذ السلبية مثل عطسات مرضى الإنفلونزا كما كتبت سابقا في مقال "أخطر من إنفلونزا الخنازير".
اليوم سأتحدث عن طاقة المؤسسة وسيبدو المقال "هندسيا" بعض الشيء.
يظن الكثير أن طاقة المؤسسة هي مجموع طاقة أفرادها وأعضائها. وهذا صحيح بشكل عام ولكن حتى نكون أكثر دقة فإن التجارب أثبتت أن طاقة المؤسسة هي الناتج من معادلة حسابية بسيطة جدا: الطاقة الناتجة من الأشخاص ذوي الطاقة العالية المشعة ولنسمهم (منتجو الطاقة) ناقص الطاقة المسلوبة بسبب الأشخاص الذين يمتصون الطاقة من المؤسسة، ولنسمهم (مستهلكو الطاقة). إنها نظرية الإنتاج والاستهلاك مرة أخرى.
إذن هما صنفان، الصنف الأول يمتلئ طاقة وحيوية ويبثها للآخرين، يبادر بالأفكار الجديدة، يساعد الآخرين، يبذل جهدا، يفتح بابا للأمل، يحاول بطرق مبتكرة، يطور نفسه، يبدع في عمله، وقد ينتقد ولكن بإيجابية، وقد يخطئ لكن يعتذر ويتعلم. والآخر خواء من أي طاقة ولا يكتفي بذلك بل يستهلك طاقة الآخرين ويمتصها، يسد الطرق، يقتل الإبداع، يثبط الهمم، دائم التذمر، يجد عقبة في كل طريق، والدنيا أمامه سواد دوما. وبين هؤلاء وأولئك تكون طاقة المؤسسة أو الفريق. إذا كان لديك عدد أكبر من النوع الأول فإن هذه المؤسسة في طريقها إلى النجاح ويكون دور القائد هنا فقط هو المحافظة على هذه الطاقة وتوجيهها فيما يخدم أهداف المؤسسة، وأما إذا كان عدد سالبي الطاقة أكبر فإن قيادة هذه المؤسسة من أعسر المهمات وأصعبها وغالبا ما تفشل المؤسسة في تحقيق أهدافها مهما كان القائد عبقريا أو ملهما.
المؤلم في الموضوع حقا أنه في كثير من الأحيان يكون سالبو الطاقة أكثر تأثيرا من منتجي الطاقة بمعنى أن (سالب طاقة) واحدا في الفريق أو اللجنة يمكن أن يؤثر في الطاقة العامة للفريق أكثر من (مانح طاقة).
ولذلك فإن أهم المهمات وأولى الأولويات لأي قائد ناجح أن يجتذب إلى مؤسسته الأشخاص من النوع الأول ويحاول أن يخضع النوع الثاني على برنامج تأهيلي (شحن الطاقة) فإن استجابوا وإلا حاول أن يتخلص منهم أو على الأقل يحيد قدرتهم على استلاب طاقة الآخرين. هذا البرنامج التأهيلي (شحن الطاقة) ليس سهلا، وسنتحدث عنه بالتفصيل في مقالات لاحقة بإذن الله. إنه يبدأ بالاستماع لهم بقدر، وتفهم وجهة نظرهم وإعطائهم شيئا من الاهتمام ولكن من غير أن يلتهم ذلك حيزا كبيرا من وقت القائد وجهده. بعد ذلك تأتي محاولة تحسين التوصيل بين مانحي الطاقة وبين هؤلاء على أن تكون هناك خطط وطرق وضمانات أن يتم التوصيل في اتجاه واحد وهو من مانحي الطاقة إلى الآخرين وليس العكس وذلك بتقريبهم من الأشخاص مانحي الطاقة ومحاولة التأثير عليهم. وبالتجربة، فإن من أهم الوسائل لذلك هو وجود رسالة ومهمة واضحة للمؤسسة أو الفريق، رسالة يؤمن بها أفراد المؤسسة تجمعهم على قلب واحد. ليس أنجع في تبديد طاقة الفريق من أن يكون لكل فرد من أفراد الفريق أهداف خاصة، وليس هناك هدف واحد أو اتجاه محدد يجمعهم. ومن أهم طرق تدعيم الطاقة كذلك مكافأة المبدعين والمتميزين وتشجيعهم لأن تساوي الجميع في الفرص والتقدير والحوافز من عدم التمييز بناء على المهنية والإنجاز والتميز والجهد يقتل الإبداع ويبدد الطاقة، وهذه مشكلة حقيقية في العديد من مؤسساتنا العامة والتعليمية.
إن طاقة المؤسسة موضوع شيق حقا وهو من أكثر الموضوعات دقة وتأثيرا على أداء مؤسساتنا بل وأسرنا وجميع تجمعاتنا البشرية، إنها شيء ثمين جدا ومهم جدا ولكن يصعب قياسه. إنه كما قال أينشتاين: "ليس كل شيء ذو قيمة يمكن قياسه وليس كل شيء يمكن قياسه يكون ذا قيمة". الذي أترككم به اليوم أن طاقة المؤسسة من أهم عوامل نجاحها وأن طاقة المؤسسة هي صراع حقيقي بين مانحي الطاقة وسالبيها.