فتاة البئر .. والتناول الإعلامي الغريب
حادثة سقوط فتاة في بئر مقر شنيف قرب الطائف، والتي تجري منذ يوم الأحد قبل الماضي محاولات الوصول إليها وإخراجها، أمر محزن، ويستحق أن يتفاعل المجتمع كله مع الفتاة وأسرتها، هذه الحادثة تناولها عديد من الصحف المحلية بطرق مختلفة، فالبعض اكتفى بإيراد خبر الحادثة دون إعطائه ما يستحقه من اهتمام، والبعض اكتفى بنقد طريقة التعامل مع الحادثة من قبل جهاز الدفاع المدني والحديث عن تأخر عملية الحفر والإنقاذ، والبعض الآخر ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، عبر الحديث عن الفتاة، وهل سقطت في البئر أم خطفها الجن، بل إن هناك من ذهب إلى تحليل نفسية الفتاة، وأنها ربما كانت مصابة بخلل عقلي لم يظهر لأهلها، رغم أن هذا المحلل غير المتخصص في الطب النفسي، لا يعرف الفتاة، أو أحداً من أهلها، وهذا ما دفع أحد أقارب الفتاة إلى الحديث عن صلاح الفتاة والتزامها بشعائر دينها وبرها بوالديها.
حادثة من هذا النوع تحمل من الجوانب الإنسانية الشيء الكثير، كان من المفترض أن يكون التعامل الإعلامي معها بشكل أوسع وأكثر دقة، وفيه حرص على إشراك جميع فئات المجتمع في متابعة هذه الحادثة عبر تغطية إعلامية متواصلة، تركز على مختلف جوانب الحادثة، وتحصر الحديث عنها في أهل الاختصاص، سواء من القائمين على عملية إخراج الفتاة من البئر، أو من الجيولوجيين الذين يعرفون تركيبة الصخور وما تحتاج إليه من معدات قادرة على تفتيتها بأسرع وقت ممكن، كما كان بالإمكان إطلاع الناس على وضع البئر، والطرق التي سوف تستخدم في عملية الإنقاذ، ولماذا لم تنجح عملية إخراج الفتاة عبر فوهة البئر؟ وهل السبب في ذلك ضيق الفوهة التي قال أحد مسؤولي الدفاع المدني في تصريح إذاعي مقتضب إنها لا تتجاوز 38 سنتيمترا، أو بسبب عمق البئر الذي يصل إلى 56 مترا، كما كان بالإمكان الاستفادة من تغطية عملية الإنقاذ في إرسال رسائل تحذيرية عن خطورة ترك الآبار دون سياج حماية، وبيان الحوادث التي تقع بسبب ذلك، مع التركيز على التغطية التلفزيونية التي هي الوسيلة الأوسع انتشاراً، والأقدر على الوصول إلى المتلقين داخل وخارج المملكة.
ومما يؤسف له أن أموراً كثيرة ومهمة نتركها لاجتهادات محرر قد لا تمكنه أدواته وقدراته من الوصول إلى الحقيقة كاملة أو إدراك أبعاد القضية، وينتهي الأمر بأن نجد ردود فعل سلبية على جهود لم توضح للناس.
فما نشر من معلومات قليلة تضمن الإشارة إلى أنه تم إنشاء معسكر إنقاذ في الموقع عن طريق الدفاع المدني وأنه تم التوصل إلى أن الحل لإخراج الفتاة هو حفر بئر مجاورة بشكل أوسع من البئر الأصلية ثم النزول من فتحة هذه البئر وفتح طريق إلى البئر الأولى لإخراج الفتاة، وأنه تمت الاستعانة بخبراء من شركة أرامكو وجلب معدات حفر كبيرة، إلا أنها لم تستطع إنجاز عملية الحفر بالسرعة المطلوبة وذلك بسبب صلابة الصخور.
إن إشراك المواطنين في قضية تتعلق بإحدى بنات الوطن أمرٌ مهم، ففيه تأسيه لذوي الفتاة، وتعزيز روح التفاعل الاجتماعي مع القضايا الإنسانية، وطرح جهود الأجهزة المعنية أمام الملأ ليكون الحكمُ عليها نابعا من رؤية واضحة، لا لما يتناقله الناس في مجالسهم، أو ما يكتب من أخبار مقتضبة في بعض الصحف.
وقد رأينا في حوادث مماثلة وقعت في عديد من دول العالم كيف أن الإعلام قام بدور كبير وبارز في دفع الناس على مستوى العالم، وليس الوطن فحسب للتفاعل مع القضايا الإنسانية، وتقدير الجهود التي تبذل لمعالجتها، فهل غاب عن أجهزة إعلامنا أهمية هذا الأمر الذي يعد من المهمات الأساسية للإعلام؟