انطلاقة قوية للقطاع المصرفي 2011

رغم استمرار تأثير الأزمة المالية العالمية على امتداد ثلاثة أعوام مضت(2008 ـــ 2010)، على جميع مفاصل الاقتصاد العالمي، بما في ذلك على القطاعين المالي والمصرفي، الأمر الذي يؤكده تعرض أكثر من 149 مؤسسة مالية ومصرفية خلال العام الماضي فقط لصعوبات ومشاكل مالية عديدة، أدت إما لانهيارها أو لإفلاسها، إلا أن القطاع المصرفي السعودي، ظل يقف صامداً أمام تداعيات وتبعات تلك الأزمة، محققاً معدلات نمو إيجابية في جميع الاتجاهات سواء كان ذلك على مستوى حجم وجودة ونوعية الأصول، أم على مستوى حجم السيولة، أم على مستوى التوسع في شبكة الفروع وأجهزة الصراف الآلي وطرفيات نقاط البيع وإلى غير ذلك.
ما ساعد على التخفيف من حدة آثار الأزمة المالية العالمية منذ تفجرها في منتصف عام 2008، على أداء ونمو القطاع المصرفي في المملكة، اتباع مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما'' سياسة نقدية هدفت إلى تحقيق الاستقرار في القطاع المالي بشكل عام، وإلى توفير السيولة اللازمة لتلبية احتياجات الطلب المحلي على الائتمان المصرفي بشكل خاص، وذلك من خلال اتخاذ حزمة من الإجراءات وتطبيق عدد من السياسات النقدية والمصرفية بشكل استباقي، مما عزز من وضع السيولة في النظامين النقدي والمالي، بما في ذلك في الخفض من تكلفة الإقراض، بغية ضمان استمرار المصارف المحلية في أداء الدور التنموي المنوط بها.
لعلي أذكر بأبرز وأهم الإجراءات النقدية، التي اتخذتها ''ساما''، بهدف التخفيف من آثار تلك الأزمة على القطاع المصرفي، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي عدة مرات، وخفض معدل عائد اتفاقيات إعادة الشراء، ومعدل اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس، وتعزيز وضع السيولة في النظام المصرفي، عن طريق إنشاء ودائع مع المصارف المحلية لمدد طويلة الأجل نسبياً نيابة عن عدد من الهيئات والمؤسسات الحكومية بالعملة المحلية والدولار الأمريكي، بهدف توفير السيولة متوسطة وطويلة الأجل لتمكين البنوك من الاستمرار في تلبية الاحتياجات التمويلية للأنشطة والقطاعات الاقتصادية والتنموية المختلفة.
من بين الإجراءات أيضاً، التي اتخذتها ساما، للتخفيف من حدة تأثير الأزمة على أداء القطاع المصرفي السعودي، تسهيل عمليات مقايضة النقد الأجنبي بهدف توفير السيولة اللازمة بالدولار الأمريكي للنظام المصرفي، إضافة إلى خفض تسعيرة أذونات الخزانة، ووضع سقف للإصدارات الأسبوعية.
نتيجة للسياسات النقدية التي اتبعتها ''ساما'' لتحقيق الاستقرار المالي والاستقرار في الأسعار، وتعزيز توافر السيولة، استمرت المصارف المحلية في نشاطها المرتبط بتلبية الاحتياجات المحلية على الائتمان المصرفي، ما يؤكده ارتفاع إجمالي مطلوبات المصارف التجارية من القطاع الخاص خلال الربع الثالث من العام الماضي بنسبة 6 في المائة (45 مليار ريال) ليبلغ 773.2 مليار ريال، مقارنة بمبلغ 728.3 مليار ريال في نهاية الربع نفسه من عام 2008 (العام الذي تفجرت خلاله الأزمة المالية العالمية).
وعلى مستوى إجمالي الموجودات والمطلوبات للمصارف التجارية، فقد سجلت ارتفاعاً ملحوظاً بنهاية الربع الثالث من العام الماضي، لتبلغ 1376.1 مليار ريال مقارنة بمبلغ 1269.9 مليار ريال، في نهاية الربع نفسه من عام 2008، في حين بلغت قيمة رؤوس أموال المصارف واحتياطياتها في نهاية الربع الثالث مع العام الماضي مبلغ 182.6 مليار ريال، مقارنة بمبلغ 131.8 مليار ريال في نهاية الربع نفسه من عام 2008، بزيادة وقدرها نحو 38 في المائة.
بالنسبة لشبكة فروع المصارف العاملة في المملكة، بما في ذلك أجهزة الصراف الآلي، وطرفيات نقاط البيع، فقد شهدت هي الأخرى زيادة كبيرة بنهاية الربع الثالث من العام الماضي، مقارنة بالربع نفسه من عام 2008، حيث بلغ عدد فروع المصارف بنهاية الربع الثالث من العام الماضي، 1.569 فرعاً، في حين بلغ عدد أجهزة الصراف الآلي 10.659 جهازاً، وبلغ عدد نقاط البيع 74.792 نقطة، مقارنة بـ 1.398 فرعاً، و8.628 جهاز صرف آلي، و70.848 نقطة بيع في نهاية الربع نفسه من عام 2008 على التوالي.
ويتوقع أن ينمو القطاع المصرفي بالوتيرة الإيجابية نفسها خلال العام الجاري 2011، التي تحققت خلال الأعوام الماضية منذ تفجر الأزمة المالية العالمية، وكما أسلفت في منتصف عام 2008، وذلك لعدد من الأسباب، التي من بين أهمها وأبرزها استمرار ساما في مراقبة الوضع النقدي ووضع السيولة في البلاد، ووضع المصارف ومدى قدرتها على الاستمرار في ممارسة أنشطتها وعملياتها المصرفية المختلفة بالزخم السابق نفسه رغم تداعيات الأزمة المالية العالمية، بما في ذلك اتخاذ التدابير الكفيلة لتحقيق ذلك، كما أن وضع الملاءة المالية المتميز، الذي تتمتع بها المصارف المحلية، سيمكنها من الاستمرار في تحقيق معدلات نمو جيدة خلال عام 2011، ولا سيما أن جميعها قد تجاوزت نسب السيولة، المطلوبة من قبل لجنة (بازل1) المنبثقة عن بنك التسويات الدولية، إضافة إلى أن القطاع المصرفي في الوضع الحالي، يحقق متطلبات الملاءة المالية المختلفة التي ستفرض (بازل3) الالتزام بها بحلول عام 2015، حيث إنه على سبيل المثال لا الحصر، بحلول عام 2015 ستفرض (بازل3) نسبة 4.5 في المائة كحد أدنى لرأسمال المساهمين المشترك (حقوق المساهمين المشتركة من فئة 1) في حين أن الوضع الحالي للمصارف السعودية يبلغ 15.1 في المائة، كما ستفرض اللجنة نفسها بحلول عام 2019 نسبة 10.5 في المائة كحد أدنى (إجمالي رأس المال + مخصص الاحتياطي)، في حين أن الوضع الحالي للمصارف السعودية يبلغ 16.9 في المائة.
إن تجاوز المصارف المحلية لاختبارات الضغط من خلال تحديد الآثار السلبية للسيناريوهات الاقتصادية المتنوعة حول تعرضها للمخاطر الائتمانية وكفاية رأس المال الكلي، إضافة إلى تجنيبها جزءا من الأرباح لبناء المخصصات المالية لمواجهة أية خسائر مالية محتملة في محفظة القروض، سيمكنها من الاستمرار في الأداء المتميز خلال عام 2011، وخلال الأعوام القادمة.
أخيرا وليس آخرا، إن استمرار التناغم بين السياستين المالية والنقدية والتنسيق الحثيث فيما بينهما، سيمكن القطاع المصرفي من الاستمرار في النمو والأداء المتميز، ولا سيما أن ما ساعد على التخفيف من آثار الأزمة المالية العالمية على اقتصادنا الوطني والقطاع المصرفي، متانة القطاع المالي، وزيادة الإنفاق الحكومي على الرغم من التراجع الحاد الذي شهدته أسعار النفط العالمية منذ منتصف عام 2008، حيث على سبيل المثال بلغ الإنفاق الحكومي نحو 626.5 مليار ريال في عام 2010، والذي يعد مستوى إنفاق تاريخي لم يسجل من قبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي