المصرفية الإسلامية 2011.. واقع وطموح

تشهد المؤسسات المالية الإسلامية نجاحا واضحا هذه الأيام، بعد أن أثبتت التعاملات المصرفية القائمة على أحكام الشريعة قدرتها وإيجابيتها في دفع عجلة الاقتصاد والتنمية الاستثمارية، وذلك بعد أن تعرضت سوق المال العالمية لهزات أفقدتها بعض الثقة، فكان البديل الإسلامي المالي قادرا على إثبات نفسه من خلال الآليات التي يتعامل بها في السوق، حتى أصبحت ظاهرة المصارف الإسلامية واقعا جديدا يحظى بكثير من القبول، لا بل تتسابق المصرفية التقليدية في بلاد الشرق والغرب للأخذ بهذه التجربة بعد أن شقت طريقها بصعوبة حيث لم تكن قادرة على المنافسة والتقدم في ظل حصار المصرفية التقليدية العالمية، ومع هذه النجاحات المشهودة، إلا أن كثيرا من الناس يتساءلون عن مبررات أحداثها وجدواها اقتصاديا وكذلك أدواتها وإطارها المؤسساتي، كما أن السؤال الأكثر إلحاحا يتعلق بقدرة الصيرفة الإسلامية على مواكبة التطور المتسارع في العمليات المالية على مستوى العالم، وقدرتها أيضا على رفع المقدرة المالية أمام التقلبات الاقتصادية المحلية والعالمية، خصوصا أننا أصبحنا في مرحلة نحتاج فيها إلى تجميع القوى والموارد في ظل التكتلات الاقتصادية الراهنة.

لقد شهد تاريخ المصرفية نقاط تطور وتحول كبيرة، نقلته من الاستعمال الضيق على المستوى المحلي إلى العالمية، فالمصارف الإسلامية هي عبارة عن ترتيبات وممارسات الوساطة المالية التي لا تعمل بالفائدة، حيث أدرك المسلمون عبر تعاملاتهم المالية أن الوساطة وظيفة أساسية في حياة المجتمعات، ولذلك طوروا أدوات وصيغا تتلاءم مع أحكام الدين الإسلامي، وهي لا تقوم على أساس صيغة القرض كما هو الحال في النظام المصرفي التقليدي.

بدأت المؤسسات المالية الإسلامية عملها منذ أكثر من ثلاثين عاما من خلال العمل في بعض البلدان العربية والإسلامية، وقد شهدت نجاحا كبيرا في تطوير العمل المصرفي ضمن أحكام الشريعة وساهمت مساهمة كبيرة وملحوظة في تمويل الاستثمار، ومن الجدير ذكره أن حجم الأموال التي تديرها المصارف الإسلامية اليوم بلغ ما يزيد على 400 مليار دولار موزعة على ما يقارب 270 مؤسسة مالية إسلامية، وهذا الواقع خلق مزيدا من التحديات أمام تلك المؤسسات، وقد بات لزاما عليها الاستجابة للتوقعات المتزايدة في حجم التعاملات على مستوى عالمي، وفرض عليها الارتقاء بمنتجاتها وخدماتها وتحقيق مزيد من الاندماج في الاقتصاد العالمي، من أجل مواكبة ذلك التطور. وبالنظر إلى هذه الأرقام الضخمة من التعاملات ندرك أن الصيرفة الإسلامية قد انتقلت إلى مرحلة جديدة لها متطلباتها ومعطياتها التي تحتاج مزيدا من الأحكام والتشريعات.

لقد أثبتت المصرفية الإسلامية قدرتها على العمل ضمن تعاملات مؤثرة ليس فقط على المستوى المادي، بل إنها تراعي البعد الاجتماعي، كما يقول المتخصصون، ويتمثل ذلك في طريقة التعامل بين البنك والعميل، حيث يعملان متضامنين على تجنب أي أزمة اقتصادية محتملة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تهدف إلى الحفاظ على المجتمع من خلال الحفاظ على الثروة والبعد عن المضاربة وحماية المستهلك والعميل، إضافة إلى إعمار وتنمية البلد الذي يجعل الجميع حريصا على الاهتمام بالأصل الذي يمتلكه والسوق التي يمثلها ويسعى لتطويرها بشكل مستمر وصيانتها وضمانها وهذا ما يحفظ ثروات الأرض.

ومن أجل تعزيز تلك النجاحات والبحث عن طرق جديدة للتطوير المستقبلي يقترح الاقتصادي بدر الدين طه أن تتبنى منظمة المؤتمر الإسلامي فكرة تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي والمصرفية الإسلامية في الدول الإسلامية، وأن يتم التكامل في التطبيق بين هذه الدول كي تقوم بتقديم نموذج الاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية للغرب ولدول العالم الأخرى من أجل حل المشكلات المالية في العالم، إلا أن ذلك لم يحصل، وربما يكون صعبا في المدى المنظور؛ لأن المصرفية الإسلامية وعبر تاريخها قد انتشرت في معظم دولها بفعل جهود شعبية وليس بفعل جهود رسمية، وأن هنالك وقتا طويلا قد يأخذه تطبيق الفكرة بشكل رسمي في جميع البلدان.

ومن المفترض أن تقدم المصرفية الإسلامية على أنها فعل تنموي متكامل، ولا يكفي أن تقدم على شكل فقه المعاملات والأحكام المعزولة عن الواقع، أي أن تجتهد المصرفية الإسلامية لدعم التنمية والتقدم الاقتصادي في بلدانها وأن تحقق نجاحات ملموسة في هذا الجانب.

ويرى بعض المحللين أن الفرصة اليوم باتت سانحة أمام المصرفية الإسلامية لتقديم نفسها للعالم دون تردد، ودون حرج، وذلك برغم وجود بعض المعيقات والممانعات التي يبديها بعض المتشددين والمنحازين للمالية التقليدية، وذلك بسبب رفضهم فكرة الاقتصاد المبني على أحكام الشريعة الإسلامية، فما زالوا يعارضونها من منطلقات أيديولوجية، إلا أن نجاح التجربة وقدرتها ومرونتها ستكون أقوى رد على مثل هذه الدعوات المضادة، وعلى سبيل المثال فقد انتقد راش ليمبوغ الأمريكي اليميني الشهير بنك يونيفيرستي عندما تحول للنظام الإسلامي، فجاءه الرد من قيادات في الإدارة الأمريكية ومن بنك الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخارجية الأمريكية، الذين رأوا في تحول البنك للنظام الإسلامي بادرة إيجابية لصالح نظام الولايات المتحدة الأمريكية (الذي وصفوه بالمتسامح)، ومن هنا فإن أمام المنظرين والداعين والمتعاملين في المصرفية الإسلامية مشوارا طويلا يحتاج إلى جهد متواصل، وطويل الأمد وفيه مثابرة ومتابعة بنفس طويل حتى تنتشر التجربة في العالم بكفاية واقتدار، وبخاصة أن الفرصة اليوم باتت مواتية في ظل الخوف من الأزمة المالية العالمية الحالية التي أثبتت عالمياً صلاحية النظام المصرفي الإسلامي ووفرت أجواء إيجابية لمصلحة المصرفية الإسلامية، ونتوقع أن تأتي فرص أخرى قد تكون أكثر أهمية، ولكن المطلوب أن ترقى المصرفية الإسلامية في أحكامها وأدواتها وقدراتها لتكون بديلا مقنعا في المستقبل، حيث يرى بعض المراقبين أن الطريق سالكة أمام المصرفية الإسلامية، والعقبات مقدور عليها، ويأتي ذلك من خلال التخطيط بنهج طويل الأمد قادر على مواكبة التطور والحاجات الراهنة للمعاملات المالية في العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي