هل نحن بحاجة لإدارة أمنية خاصة بأمن النقل؟

مثلت أحداث 11 من أيلول (سبتمبر) منعطفا جديدا في أمن النقل على مستوى العالم من الناحيتين الإجرائية والإدارية؛ حيث أعيد النظر في جميع أساليب تفتيش الركاب والأمتعة, وتنظيم الأجهزة المعنية بهذه المهمة؛ ضمانا لتحقيق أقصى درجات الحماية للتصدي لأي تهديدات محتملة. أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، إدارة متخصصة في أمن النقل المعروفة اختصارا بـ TSA في أعقاب أحداث 11 من أيلول (سبتمبر)، وكانت في بداياتها مرتبطة بوزارة المواصلات ثم ارتبطت عام 2003 بوزارة الأمن الوطني، حيث يعمل ما يقارب 50 ألف موظف في 457 مطارا لتفتيش نحو مليوني راكب يوميا.
لم يعد أمن المسافرين والأمتعة جملة من إجراءات التفتيش؛ بل أصبح صناعة متكاملة لها معاييرها الدولية وأدواتها التقنية ومعلوماتها الاستخباراتية، التي تحد من المخاطر وتضمن راحة المسافرين في آن واحد. لا يزال أمن النقل في العالم يواجه تحديات مختلفة، كان آخرها الطرود المفخخة التي ضبطت على طائرات شحن متوجهة من اليمن إلى بعض المطارات الدولية. ربما تبدو الصورة أن أمن النقل الجوي، خاصة المتعلق بالركاب، يستأثر بنصيب الأسد من هذا الاهتمام؛ إلا أن أمن النقل البري والبحري ونقل البضائع لا يقل أهمية، وإن أخذت إجراءات الحماية أشكالا مختلفة تبعا لطبيعة المنقول وتنوع وسائل النقل.
واجهنا في المملكة تحديات أمنية كبيرة عندما أرادت الأيدي الآثمة المساس بأمننا ومقدراتنا ومستقبلنا على حد سواء. وأثبتت أجهزتنا الأمنية، في كل مرة، أنها تملك زمام المبادرة والقدرة على التصدي والمواجهة. ولا شك أن أمن النقل بشكل عام والنقل الجوي بشكل خاص يدل على كفاءة أجهزتنا الأمنية؛ إذ ظل أمن المسافرين عبر مطاراتنا الدولية والداخلية في مأمن ـــ بفضل الله ــــ من أي مخاطر. هذا النجاح لا يمنعنا من أن نعيد النظر في تنظيم الشعبة المعنية بتفتيش الركاب والأمتعة في مطاراتنا وتحويلها إلى مديرية عامة لأمن النقل، ترتبط بمساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، على غرار ما تم تنظيمه في السنوات الأخيرة؛ كرفع المستوى التنظيمي للمديرية العامة للسجون، والمديرية العامة لمكافحة المخدرات، وقوات أمن المنشآت؛ حيث كانت جميعها إدارات تتبع الأمن العام ثم أعيد تشكيلها وتنظيم مهامها لترتبط مباشرة بمساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية.
أعتقد أن إنشاء مديرية عامة لأمن النقل سيعزز إجراءات حماية أمن المسافرين عبر المطارات والموانئ ومحطات النقل البري، أي حماية أمن المواصلات بمفهومه الشامل، خاصة ونحن مقبلون على توسيع بعض المطارات، وعدد من مشاريع القطارات داخل المدن وخارجها. سيكون هذا الجهاز الجديد متخصصا في أمن النقل، وستكون أمامه فرصة لمراجعة الإجراءات القائمة وسن إجراءات جديدة تتناسب مع أي تحديات طارئة. لن يكون دوره فقط منحصرا في التنفيذ؛ بل يشمل أيضا وضع استراتيجية شاملة معنية بأمن النقل في المملكة؛ خاصة مع تنوع الجهات الحكومية المشرفة على خدمات النقل؛ كالهيئة العامة للطيران المدني، ووزارة النقل من خلال المؤسسة العامة للسكك الحديدية والمؤسسة العامة للموانئ.
كما أن إنشاء إدارة خاصة لأمن النقل وتوسيع اختصاصاتها سيوجد فرص عمل كبيرة للشباب والفتيات. وذلك بتطوير إجراءات تفتيش الركاب والأمتعة في المطارات وزيادة مساراتها لتتناسب مع أعداد المسافرين المتزايدة، وتخصيص مسارات خاصة بالنساء تعد بشكل يراعي خصوصيتهن. كما أن تخصص هذه الإدارة في أمن النقل سيؤدي إلى إنشاء عدد من الوحدات المتخصصة في مهامها، كجمع المعلومات، وتحليل المخاطر، أو غيرها من الوحدات المساندة. كل ذلك سيوسع دائرة التوظيف في عدد من التخصصات المرتبطة بأمن النقل.
العمل المحترف والمتخصص يرفع كفاءة الأداء. ربما يكون البناء على الخبرات المتراكمة لدينا في أمن النقل، بتوحيد المهام في جهاز متخصص يتعاون مع جميع الأجهزة الأمنية والجهات المشرفة على صناعة النقل؛ هو رافد جديد لحماية أمن الوطن والمواطن، وتوفير فرص عمل جديدة لأبناء وبنات الوطن، ولبنة مهمة في تطوير صناعة النقل في المملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي