Author

الزيارات والتجارب الدولية .. دروس مستفادة أم زيارات ترفيهية؟ (1 من 2)

|
من ضمن مراحل العمل في أي مشروع تطويري لأي دولة سواء في مجال التعليم أو الصحة أو الصناعة أو التخصيص أو مشاريع البنية التحتية أو الخدمات، قد يكون من المناسب الاطلاع على تجارب الدول الأخرى في المجال نفسه، سواءً التجارب الناجحة أو التجارب الفاشلة، وذلك للحصول على الدروس المستفادة من هذه التجارب، فيتم فهم وتقدير عوامل وأسباب النجاح للعمل لاحقاً على تطبيقها بشكل كامل دون تجزئة أو تحيز، وكذلك فهم وتقدير عوامل وأسباب الفشل في تجارب الدول التي لم تنجح في مشاريع مماثلة والعمل بشكل صادق على تجنب وتلافي الوقوع أو التعرض لهذه العوامل والأسباب. التفاصيل والدروس المستفادة من هذه التجارب الدولية يمكن الحصول عليها من عدة مصادر، منها، على سبيل المثال، المعلومات العامة المنشورة عن هذه التجارب على الإنترنت، ومنها المعلومات المتوافرة لدى المكاتب الاستشارية عن هذه التجارب، ومنها من خلال الاتصال المباشر بالإدارات المسؤولة في هذه الدول والحصول على وثائق ومعلومات تساعد على تطوير مشاريع مماثلة، ومنها ما يتم من خلال الزيارات المتبادلة بين البلدان المختلفة، فهل نتعلم ونطبق الدروس المستفادة من هذه التجارب أم أنها زيارات تنتهي من حيث بدأت؟ الحكم على مدى الاستفادة من هذه الدروس ومن هذه الزيارات يعتمد على النتائج من تنفيذ مشاريع مماثلة، فإما نجاح وإما فشل. في كل الظروف، يفترض أن الهدف من الحصول على معلومات عن تجارب الدول الأخرى يتمثل في تعلم الدرس أو الدروس من تجارب هذه الدول، مثل تجارب تطوير التعليم الناجحة في دول تفوقت في التعليم مثل فنلندا والسويد وسنغافورة وإيرلندا, وتجارب تطوير تعليم فاشلة كما يحصل في بعض الدول العربية والإفريقية، وتجارب تطوير الخدمات الصحية في دول تفوقت وتميزت في تقديم الخدمات الصحية لمواطنيها مثل ألمانيا وكندا، وتجارب برامج التخصيص الناجحة لمرافق وخدمات وأنشطة حكومية مثل الاتصالات والطيران وسكك الحديد في دول مثل بريطانيا، والتجارب الناجحة للمدن الاقتصادية وتشجيع وجلب الاستثمارات الأجنبية في سنغافورة، وتطوير البنية التحتية من خدمات الاتصالات والكهرباء والمياه والصرف الصحي وتصريف السيول في دول مثل ألمانيا وبريطانيا، كل هذه التجارب وغيرها من التجارب الدولية، كلها في متناول أيدينا لتعلم الدروس مهما كانت قاسية ـــ وهي عادة كذلك. يفترض ألا يكون الهدف من الزيارات الدولية التنزه والترفيه وترضية مجموعة من المسؤولين والموظفين، فالعبرة ليست بالزيارة، لكن ما يحدث بعد هذه الزيارات من تطوير وتغيير إيجابي بناء على تقليد وتصوير هذه التجارب وعكسها على أرض الواقع، فكم عدد الزيارات الخارجية، للاطلاع على تجارب الدول الأخرى التي تمت من قبل عدد من القطاعات الحكومية؟ وكم عدد الذين قاموا بهذه الزيارات؟ وعلى مدى كم من الفترات الزمنية تمت هذه الزيارات وما زالت؟ وكم كلفت الدولة من أموال طائلة وأثرت في الميزانية السنوية؟ وما الجهات التي تقوم بهذه الزيارات ولماذا؟ والأهم، هل استفدنا من هذه الزيارات، في جميع القطاعات والنشاطات: التعليم والصحة والمياه والصرف الصحي والاتصالات والحكومة الإلكترونية والكهرباء والمدن الاقتصادية والتخصيص؟ يطالعنا الإعلام المقروء والمرئي والمسموع وعلى مدى العقود الثلاثة السابقة عن زيارات جماعية ومتكررة لهذه القطاعات لدول أخرى بحجة الاطلاع على تجاربهم في القطاعات المماثلة ونقل التجارب الناجحة لبلدنا، فماذا حصل في هذه القطاعات؟ للإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها ينبغي النظر في القطاعات والخدمات التالية بشكل أكثر تفصيلاً لتحديد مدى الاستفادة من هذه الزيارات الخارجية والتجارب الدولية: 1 ـــ في قطاع التعليم، كانت هناك زيارات واطلاع على تجارب دول مثل فنلندا وإيرلندا والسويد وكوريا الجنوبية والصين في التعليم، وهي دول نجحت نجاحات باهرة في تطوير التعليم وبالتالي تطوير الموارد البشرية ـــ الاستثمار الأمثل لأي دولة ـــ فهل انعكست هذه التجارب الدولية الناجحة في تطوير التعليم في المملكة؟ ما زلنا نعاني مستوى ومخرجات التعليم العام، بل إنها تسوء سنة بعد سنة, وما زلنا نعاني تكرار مشاريع (أو تجارب) تطوير التعليم، بل إن الجامعات نفسها بدأت تعيد تأهيل وتعليم خريجي وخريجات التعليم العام من خلال إخضاعهم لبرنامج السنة التحضيرية، برنامج يمثل خسائر بشرية ومالية إضافية على الدولة، وتم تطوير مناهج العلوم والرياضيات من خلال ترجمة سلسلة شركة أمريكية تعليمية إلى العربية، لكن في دولة عربية مجاورة وليس في المملكة أو من خلال مراكز الترجمة الموجودة في الجامعات السعودية وبمشاركة معلمي ومعلمات الرياضيات والعلوم السعوديين المتميزين، مشروع كلف الدولة قرابة المليار دون فائدة من نقل وتوطين المعرفة، أحد أهم عوامل نجاح مشاريع التطوير، فهل هذه تمثل دروسا مستفادة من تجارب الدول الأخرى الناجحة في تطوير التعليم؟ 2 ـــ في برنامج التخصيص الذي اعتمد بقرار مجلس الوزراء رقم (60) وتاريخ 1/4/1418هـ (قبل 14 سنة)، تم تحديد ثمانية أهداف للتخصيص في المملكة والأسس التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار لتحقيق هذه الأهداف، من أهمها ترشيد الإنفاق العام والتخفيف عن كاهل ميزانية الدولة بإتاحة الفرصة للقطاع الخاص لتمويل وتشغيل وصيانة بعض الخدمات التي يمكنه القيام بها (الهدف رقم 7)، وزيادة فرص العمل والتشغيل الأمثل للقوى الوطنية العاملة، ومواصلة تحقيق زيادة عادلة في دخل الفرد (الهدف رقم 5)، ومنذ بدء برنامج التخصيص في المملكة، تم تخصيص جزء محدود من قطاع الاتصالات لم يتعد (20 في المائة)، وتم اتخاذ خطوات نحو تخصيص عدد من القطاعات والنشاطات الحكومية الأخرى مثل البريد والمياه والصرف الصحي والخدمات البلدية وتم إنشاء عدد من الشركات الحكومية وبتمويل كامل من الدولة، فهل تم تنفيذ برنامج التخصيص في المملكة بمنهجية وأسلوب مماثل لما قامت به دول ناجحة ورائدة في مجال التخصيص مثل بريطانيا عندما قامت بتخصيص عدد من الخدمات مثل الاتصالات والطيران وسكك الحديد، تخصيصا حقق أهدافا وطنية من أهمها ترشيد الإنفاق الحكومي بشكل كبير وزيادة إيرادات الحكومية البريطانية ومعدل العائد على الاستثمار في أصولها حيث حصلت الدولة على أكثر من 50 مليار جنيه استرليني من بيع بعض أصولها للقطاع الخاص، إلى جانب العوائد المالية الإضافية من بيع بعض العقارات الحكومية، مع تخفيض نسبة موظفي الدولة من 7.2 في المائة إلى أقل من 2 في المائة من إجمالي الموظفين في القطاعين العام والخاص، وتم تحويل بعض المؤسسات الحكومية من كونها عبئا ماليا على الدولة إلى شركات ربحية مثل شركة الخطوط الجوية البريطانية, التي تحولت من شركة خاسرة إلى شركة رابحة خلال أقل من سنة من إخضاعها لبرنامج تخصيص قاس، مع تخفيض موظفيها بأكثر من 30 في المائة في مرحلة التجهيز للتخصيص. هذه الفوائد التي تحققت لبريطانيا من تنفيذ برنامج التخصيص لم تكن لتتحقق لو لم يتم تنفيذ المنهجية الصحيحة للتخصيص، فماذا حصل في برنامج التخصيص في المملكة حتى الآن؟ وهل استفدنا من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال؟ وهل حققنا أهداف برنامج التخصيص المحددة في القرار الوزاري رقم 60؟ هذه الأسئلة وما يحدث في قطاعات أخرى حيوية ومدى انعكاس الزيارات الخارجية والتجارب الدولية على تطوير هذه القطاعات سنجيب عنها ـــ إن شاء الله ـــ في الجزء التالي، كما سنستعرض الدروس المستفادة من تجارب الدول الأخرى، الإيجابية منها والسلبية، وكيفية الاستفادة منها وتطبيق الناجح منها بشكل كامل وتفادي العوامل السلبية، والعمل بشكل مؤسساتي وليس شخصيا، منهجية وعمل يخدمان بلدنا على المدى الطويل ويرتقيان بمستوى وطننا إلى أعلى الدول في مستوى التعليم والدخل والرفاهية، استحقاق ومطلب شرعي يحق لنا أن نسعى ونعمل على تحقيقه، فمقومات النجاح والتطور والرفاهية متوافرة .. ولكن... وللحديث بقية...
إنشرها