معضلة التنفيذ أكبر تحديات الميزانية الجديدة

صدور أضخم ميزانية سعودية للعام المالي الثاني (2011) على التوالي في تاريخ المملكة العربية السعودية، بحجم إنفاق يقدر بنحو 580 مليارا، وبزيادة على حجم الإنفاق المقدر في الميزانية العامة للعام المالي 2010، بنحو 8 في المائة، رفع من سقف توقعات المواطنين السعوديين، المرتبطة بتأمين المسكن الملائم، وتوفير فرص العمل المناسبة، والحصول على أفضل الخدمات الصحية والتعليمية، بما في ذلك الحصول على أفضل الخدمات الأساسية والمساندة، مثل خدمات المياه والكهرباء والاتصالات والصرف الصحي، ولا سيما أن الميزانية الجديدة ركزت على تعزيز التنمية طويلة الأجل، وزيادة فرص العمل للمواطنين والمواطنات السعوديين والسعوديات على حد سواء، الأمر الذي يؤكده تخصيص النصيب الأكبر من إنفاق في الميزانية على قطاعات التعليم، والصحة، والخدمات الاجتماعية والبلدية، والمياه والصرف الصحي، والطرق، إضافة إلى تضمين الميزانية عددا كبيرا من البرامج والمشاريع الجديدة ومراحل إضافية لبعض المشاريع، التي سبق اعتمادها بقيمة إجمالية تبلغ نحو 256 مليار ريال، وبزيادة تقدر بنحو 40 في المائة على ما تم اعتماده للعام المالي السابق 2010.
ما يضاعف من توقعات المواطنين المرتبطة بالحصول على أفضل الخدمات الصحية والتعليمية، والخدمات الأساسية والمساندة، التي تقدمها الأجهزة الحكومية المختلفة، وفرة السيولة التي تمتلكها الدولة، نتيجة لمحافظة أسعار النفط العالمية على مستويات سعرية جيدة خلال عام 2010، حققت للدولة فائضا في الميزانية قدر بنحو 108.5 مليار ريال، إضافة إلى رصد الحكومة مبلغ 400 مليار دولار على مدى خمس سنوات للصرف على مشاريع وبرامج التنمية المختلفة، وللتحسين من مستوى الخدمات العامة والأساسية.
إن تحقيق تطلعات وتوقعات المواطنين المرتبطة بالبرامج والمشاريع، التي تضمنتها الميزانية العامة للدولة، عادة ما يصدم بعدد من المعوقات، التي لعل من بين أهمها وأبرزها، قدرة الأجهزة الحكومية على التنفيذ، نظراً لضخامة المشاريع وتعددها، مما قد يصعب من مهمة التنفيذ، وبالذات في حالة عدم وجود خطط تشغيلية تفصيلية لكل جهة حكومية على حدة، ووجود خطة تشغيلية مركزية على مستوى الدولة تحدد الأولويات والأسلوب الأمثل للتنفيذ، الذي يقضي على احتمالات حدوث اختناقات أو عراقيل تؤخر التنفيذ.
تفادياً لحدوث اختناقات مستقبلية في تنفيذ المشاريع، الأمر يتطلب وضع كل جهة حكومية على حدة لخطة تشغيلية أو تنفيذية فرعية، تتضمن تفاصيل المشاريع والبرامج، التي ستقوم الجهة الحكومية بتنفيذها، إضافة إلى تحديدها لتواريخ تنفيذ المراحل المختلفة للمشاريع، على أن يتم ربط الخطط الفرعية للجهات الحكومية المختلفة، بخطة تنفيذ مركزية على مستوى الدولة Master Operating Plan، ويتم إخضاعها لمراقبة صارمة، للتأكد من أن المشاريع التي نفذت، قد تم تنفيذها وفقاً لما هو مخطط ومرسوم له مسبقاً، كما أن وجود آلية للثواب والعقاب، يتم بموجبها معاقبة المقصرين والمهملين والمتقاعسين عن أدائهم للمهام الموكلة إليهم بصرف النظر عن وضعهم ومناصبهم الوظيفية، وفي الوقت نفسه مكافأة المبدعين والمتميزون في أدائهم لأعمالهم، سيساعد دون أدني شك، في القضاء على ظاهرة التأخر في تنفيذ المشاريع، والتي أصبحت في وقتنا الحاضر ــ مع الأسف الشديد ــ سمة تلازم تنفيذ مشاريع وبرامج التنمية في المملكة.
كلمة صحيفة ''الرياض'' الافتتاحية بقلم الأستاذ يوسف الكويليت في العدد 15520، تحت عنوان: ''أرقام .. ومشاريع..''، أكدت اليوم أن التجارب والتطور في بنية الإنسان وتقدمه في المملكة، يجعل العوارض السلبية المرتبطة بتنفيذ المشاريع والبرامج أقل بكثير من السابق، وبالذات وأن إدارة الأموال الكبيرة، وتدويرها في المشروع العام الوطني مهم للغاية. وهنا يأتي السؤال: هل كفاءة الأجهزة والقائمين عليها من وزارات ومؤسسات ودور خبرة، ومقاولين ومخططين ومنفذين، على الكفاءة نفسها مع الاعتمادات المطروحة وإنفاقها على المشاريع، أم أن تلك الإدارات ليست في مستوى الأرقام التصاعدية، التي وضعتها الدولة في ميزانياتها، وعجزت أن تدوّرها في المنجز العام، مما راكم الفائض من الأعوام السابقة؟
وشددت الكلمة على ضرورة معالجة العجز في التنفيذ، لأن السباق مع الزمن، يجب أن يخطو بنا نحو العمل المتكامل، ولا سيما أنه لا يعتقد أن السبب يكمن في عجز القدرات، وإنما في تقادم الأنظمة وعدم مرونتها وتماشيها مع مرحلة تحتاج إلى التجديد في العاملين والتشريعات، وتخطي السياسة المعمول بها قديماً من ''بيروقراطية'' تعطل المصروفات لأسباب غير وجيهة. وأكدت الكلمة في الوقت نفسه، أن ميزانية هذا العام كبيرة جداً، والعبرة ليست بالأرقام، ولكن بحاصلها وناتجها، والقدرة على تحويلها إلى اتجاهاتها المطلوبة في كل المشاريع.
خلاصة القول، إن المسؤولين التنفيذيين في الأجهزة الحكومية المختلفة مطالبون بتنفيذ المشاريع وبرامج التنمية، التي لها علاقة ومساس مباشر بحياة الفرد السعودي ورفاهه الاجتماعي، وفقما هو مخطط ومرسوم له مسبقاً دون تأخير أو تقاعس يذكر، قد يؤثر في سير تلك المشاريع والانتهاء منها في الأوقات المحددة لها، وخاصة أن المملكة تعيش اليوم وفرة سيولة غير مسبوقة، تستلزم حشد الهمم وتكثيف الجهود لإنجاز المشاريع التنموية المختلفة في الأوقات المحددة لها، كون التأخير في تنفيذ المشاريع سيصيب المواطن آجلاً أم عاجلاً بالإحباط واليأس، وسيضيق عليه فرص العيش الكريم الذي كفلته له الدولة، كما أن التأخر في تنفيذ المشاريع، سيؤثر سلباً في مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد، والتي ينعم بها المواطن والمقيم على حد سواء، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي