العالم يبحث عن الحلول ونحن نكتفي بالذهول
إن تقدم واستقرار الأمم قائم على تأمين العيش الكريم لجميع السكان حيث إن فرداً واحد لا يعمل يؤثر تأثيراً كبيراً في الاستقرار والإنتاج، فما بالك إذا كانت النسبة كبيرة جداً لا تعمل! من هنا بدأت الدول المتقدمة تهتم بهذا الجانب حيث إنها لا تعلم من الخبرة والبحوث الدراسية السابقة أن بقائها وتقدمها هو تخفيض نسبة البطالة وتأمين العيش الكريم لجميع السكان، لأن الذي يعمل هو الذي ينمي الاقتصاد ويزيد في سرعة النمو (من يعمل يصرف ومن لا يعمل لا يصرف). وهذا الصرف والإنفاق هو الدم الجاري في شرايين المجتمع الذي ينمي الاقتصاد والثروة. إن بعض الدول عملت جاهدة على أن تؤمن عملا لمواطنيها حتى لو خارج بلدها، حيث إنها تعلم علم اليقين أن عمل المواطنين خارج البلاد سيزيد من تحويل الأموال، ثم الصرف داخل البلد عن طريق أهله وعائلته. من هنا فإن جميع دول العالم وجدت أن أكثر المواقع تأميناً للأعمال هي المنشآت الصغيرة والمتوسطة SMEs حيث إن الشركات الكبيرة موجودة ومهمة وتفتخر الدول بإنشاء ورعاية هذه الشركات العملاقة والكبيرة، ولكن جميع هذه الشركات الكبيرة والعملاقة لا توظف أكثر من 10_15في المائة من سوق العمالة بحد أقصى، حيث إن النسبة الباقية من قوة العمل والتي تراوح نسبتها بين 85 ـ 90 في المائة في الشركات المتوسطة والصغيرة. ومن هذا الباب دق جرس الإنذار، والصراخ يزداد يوما بعد يوم في الدول المتقدمة قبل الدول النامية ، لذلك فإن القوانين والتشريعات تطبق، والعمل جار على دعم وتعزيز وإنشاء هذه الشركات المتوسطة والصغيرة لأنها هي التي تؤمن لقمة العيش لـ 80 في المائة من القوة العاملة. لذلك عندما ننظر إلى العالم وكيف يعالج هذه المسألة، فإنه يعلم أن المنشآت المتوسطة والصغيرة هي الأساس والمحضن الخصب لتنمية ونمو الاقتصاد الوطني. فمثلاً التقرير المنشور من هيئة الأعمال الصغيرة والمتوسطة الأمريكية يبين أن نسبة 65 في المائة من الأعمال التي استحدثت خلال الـ 15 سنة الماضية ( 1995_ 2009 )، تولدت وأنشئت في هذا القطاع.
في أوروبا خلال السنوات العشرة الماضية ( 1998_ 2008 ) بلغت نسبة الأعمال والوظائف التي تم استحداثها في المنشآت المتوسطة والصغيرة تقريبا نسبة 80 في المائة من حجم الوظائف في سوق العمل. من هذا الناتج بدأت الدول تسن وتشرع قوانين جديدة ومتطورة لإنشاء وحماية هذا القطاع الذي لا تستطيع أي دولة أن تتنفس أو تتقدم من دونه، فهذا الاتحاد الأوروبي يؤسس وينشىء قانون الأعمال الصغيرة والمتوسطة في عام 2008م، ثم بدأت الحكومات في الضغط على الشركات الكبيرة والبنوك التي تشكل أرباحها نسبة كبيرة من الإنتاج القومي لالعمل على دعم وتأسيس هذا القطاع لأنه هو الحاضنة والضامن لتخفيض نسبة البطالة في الدول. فهذا البنك الشهير (قولدمان ساكس) Goldman Sachs في أمريكا تحت إدارة الملياردير الشهير وررن بفتWarren Buffett يقر ويتخذ الإجراءات لتبني وإنشاء عشرة آلاف مؤسسة صغيرة ومتوسطة، حيث إن هذا البرنامج قد انطلق في العام الماضي (2009). والشركة الاستثمارية الشهيرة لويدس Lloyds تعهدت ووضعت من ضمن أهدافها تأسيس وإنشاء 300 ألف شركة متوسطة وصغيرة خلال أربع سنوات فقط 2009 _ 2012.
جميع هذه الحلول والمبادرات ما هي إلا الوعي والمعرفة بناقوس الخطر، حيث إن التقرير الأوروبي من (أيروستات9) Eurostat يوضح أن نسبة 82 في المائة من الأعمال والشركات في أوروبا هي المؤسسات والشركات التي يقل أفرادها عن عشرة موظفين.
إن المتتبع للاقتصاد العالمي والانهيار المالي في جميع العالم، يجد أن الدول مجتمعه تعمل جاهدة على إنعاش وتأمين وإنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لأنها تعلم علم اليقين أن هذا القطاع يؤمن العيش والاستقرار والتعليم للوطن والمواطن.
من هذه المعلومات البسيطة يتبين أنه من الطبيعي أن تكون نسبة المؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة هي الأغلبية، حيث إنه إذا كانت نسبة الأعمال التي في الشركات الكبيرة موازية أو أكبر من الأعمال في الشركات والمؤسسات الصغيرة، فهذه ظاهرة غير صحية، وخطر يقرع الأبواب ويهدد الاستقرار الوظيفي ولقمة العيش لكثير من الناس.
من جانب آخر، فعندما نسقط هذا الواقع في وطننا فإننا نجد أنه يجب أن نكون من السباقين لدعم وحماية وتعزيز وإنشاء المؤسسات الصغيرة لأن 55 في المائة من سكان المملكة تقل أعمارهم عن 20 سـنة، وهذا يعني أنه خلال عشر سنوات يجب تأمين أكثر من مليون وظيفة جديدة على الأقل في جميع القطاعات، أو ستزداد وترتفع نسبة البطالة التي لا يريدها و لا يتحملها أي أحد، وأيضاً من الحقائق الموجودة على أرض الواقع أن الشركات الكبيرة لا تستطيع أن تستحدث وتؤمّن هذا العدد، ولا نصفه، ولا حتى خمس هذا الرقم المتوقع في المستقبل القريب. فمثلاً شركة أرامكو عدد موظفيها 60 _ 70 ألف موظف، وشركة الكهرباء والاتصالات مثل ذلك، و(سابك) مثل ذلك. إذاً لا تستطيع الشركات الكبيرة تحمل هذا العدد والموج القادم من الطلبات والطوابير الباحثة عن العمل.
كذلك أيضاً سقطت الأحلام والحلول والأرقام المتوقعة في استحداث وظائف جديدة تصل إلى أكثر من مليون وظيفة في المدن الاقتصادية، لأن المفهوم بني على الاعتماد على الشركات العالمية الكبيرة التي ستوظف هذا العدد وتم نهائيا إغفال القوة والسر في استحداث الوظائف وتأمين الأعمال، وهي المؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة.
إذاً يتطلب من المجتمع لفتة واهتماما صادقا بهذا القطاع الذي سيؤمّن النسبة الكبيرة من أعمال المجتمع، والتي هي المولد الحقيقي للوظائف والعيش الرغيد. لذلك فإنه من الضروري في هذا الوقت بالذات اتباع الخطوات نفسها والأسلوب الأوروبي، والأمريكي، والياباني، وكثير من الدول المتقدمة والنامية، بإنشاء وتأسيس هيئة للمنشآت المتوسطة والصغيرة، ويكون من مهامها استحداث الوظائف اللازمة لتخفيض نسبة البطالة على الدوام.