لغتنا العربية.. وماذا يفيد يوم الاحتفاء؟
لم تخذل أمة من الأمم لغتها كما خذل العرب لغتهم، فهم لم يكتفوا بتجاهلها، بل سعوا إلى الاستعاضة عنها بلغات أخرى، وبلهجات محلية تفرق ولا تجمع، وأصبحوا ينظرون إلى لغتهم الأم نظرة دونية، بل ويحاربونها في أوطانهم، وكأنها لغة دخيلة عليهم.
مأساة اللغة العربية أنها لغة متميزة، لكنها في وسط من لا يقدر قيمتها، وسط اعتاد على استيراد كل شيء، والاحتفاء بالمستورد، حتى إن كان أقل جودة.
لغة قدر لها أن تكون في أمة تخجل من تاريخها، ومن تراثها، أمة لا يهمها أن تخطئ في قواعد هذه اللغة حين الحديث أو الكتابة، لكنها تشعر بالحرج والدونية حين تخطئ في لغة أخرى.
لغتنا العربية، خذلناها عبر مناداة كثير من المثقفين بالتخلي عن تدريسها ضمن علوم أخرى بحجة أن سوق العمل لا يحتاج إلى خريجي هذه التخصصات، وخذلناها عبر ما يمارسه الإعلام العربي من حرب عليها، عبر استبعاد إتقانها كشرط للعاملين فيه، وعبر تعزيز مكانة اللهجات العامية عند تعريب البرامج الأجنبية، وعبر عدم الاهتمام بالأخطاء التي نقرأها ونسمعها كل يوم.
لغتنا العربية التي أهملناها، واكتفينا بالتغني بها في مناسبات الاحتفاء بها، خدمها قليلٌ منا، وكثيرٌ من غيرنا، ممن أدركوا جمالها وعذوبتها، فألفوا المعاجم لخدمتها، وعشنا كالعادة عالة على ما ألفوه، بل وأعدوا لنا برامج الحاسب التي عبرها نكتب بلغتنا العربية، وتتيح لنا التمتع بجمالها، فكل هذه الأمور ليس لنا أي فضل في إعدادها، بل صنعها من أدركوا أهمية هذه اللغة ومكانتها بين لغات العالم.
إن ما تحتاج إليه لغتنا العربية، ليس يوما للاحتفاء قررته هيئة دولية، فنحشد فيه الخطب للحديث عن اللغة العربية ومكانتها، ثم نعود إلى ما كنا عليه من إهمال لهذه اللغة، لغتنا تحتاج إلى السعي الجاد لتعزيز مكانتها داخل أوطاننا أولاً، عبر عديد من الإجراءات التي تحفظ لها مكانتها، إجراءات تمنع دخول أي منتج لا تتضمن نشرته شرحا باللغة العربية، وإجراءات تمنع ما نشاهده من لوحات إعلان وعناوين محال بلغات غير العربية، أو بأخطاء في كتابة الكلمات العربية، وإجراءات تمنع تعريب ما يوجه إلى الأطفال – على وجه الخصوص – من برامج بلهجات محلية، وإجراءات تبسط اللغة العربية، وتسهل إتقانها تحدثاً وكتابة، بعيداً عما هو معقد من المناهج، وإجراءات تعزز مكانة اللغة العربية، عبر الترجمة إليها من مختلف اللغات، وتعزيز وجودها عبر وسائل الاتصال المختلفة، وعبر شبكة الإنترنت، التي لا تزال لغتنا العربية في موقع متأخر فيها.