الداخلية .. خطوط حمراء في السوق

هناك ترحيب واسع النطاق في المجتمع بالقرارات التي أصدرها سمو الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية لمعاقبة التجار المتلاعبين بسلعة الحديد والتشهير بهم من خلال الإعلان في الصحف عن أسمائهم. ومن الطبيعي أن يرحب المواطن بتلك القرارات الحازمة التي تعد دعما قويا لخطوات وزارة التجارة والصناعة في ملاحقة الانتهازيين الذين لجأوا إلى ممارسات مقيتة لا يعاقب عليها القانون فحسب، بل إن الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ قد توعد أصحابها بعذاب أليم. وكنا قد قرأنا في حينه (قبل نحو ستة أشهر) عن الحملات المباغتة التي اضطلعت بها فرق التفتيش من الوزارة وأجهزة الأمن لمستودعات الحديد في مناطق عدة من المملكة وما ترتب عليها من إدانة لعدد من المتلاعبين بإخفاء مخزونهم لرفع الأسعار، كما كشفت تلك الحملات عن تورط بعض ''الأسماء الكبيرة'' التي لم تربأ بنفسها عن المشاركة في حماقات ضارة بمصالح المواطنين.
من المؤسف أن يمارس البعض من كبار التجار تعاملاتهم مع الآخرين دون ضابط أخلاقي، بينما نزهو في مجتمعنا بالقيم الإسلامية كالأمانة والمروءة وتقوى الله. لقد كان التاجر إلى الأمس يتبوأ مكانة رفيعة في المجتمع لا تقل عن مكانة العلماء مهما كان حجم تجارته، إذ كان المقياس هو حسن الخلق وشرف الكلمة. بينما اليوم أصبح مسمى ''تاجر''، ولا سيما إذا أضيفت إليه صفة ''كبير''، من المسميات المخجلة للبعض بسبب الأذى الذي تتعرض له السوق بين الحين والآخر على أيدي حفنة ممن تسللوا إلى مهنة التجارة في غفلة من المجتمع ومؤسساته الرسمية والأهلية. لذا من المصلحة أن ننظر لقرارات وزارة الداخلية ليس كعقوبة لأولئك التجار فحسب، وإنما كأداة تربوية لتقويم سلوكهم كي يعودوا إلى رشدهم. ذلك أن المجتمع لن يشعر بأمان على قوته وهو يعلم أن في وسطه من جعل الجشع مطية له في السوق مهما كانت نتائج تحركاته أو مهما تراكمت لديه من ثروة.
إن مما يكدّر الخاطر أن التلاعب في الأسعار لم يكن في سلعة واحدة فقط أو في سلع هامشية، كما أنه لم يكن وقفا على مدينة بعينها. بل شمل التلاعب الحديد، الشعير، والطوب الأحمر، وربما سلعا أخرى غيرها لم يعلن عنها بعد. كما اتسعت المساحة الجغرافية لتلك التجاوزات إلى حد أنها طالت كل مناطق المملكة تقريبا ما يدل على عمق التمدد والتغلغل لأولئك التجار في مفاصل الاقتصاد، وقدرتهم على كتابة وإخراج سيناريوهات لم تكن، إلى عهد قريب، تخطر على بال أحد. أي أن ما نشاهده في السوق من تلاعب في بعض السلع الاستراتيجية يبدو أنه عمل مؤسسي لا بد من ملاحقته وتفكيكه.
لقد نجحت وزارة الداخلية بشكل لافت للأنظار في التعامل مع أنواع شتى من الجرائم بأساليب علمية حديثة بنيت على دراسات سلوكية ونفسية، كما وضعت برامج علاجية وتأهيلية للأخذ بيد المتورطين إلى جادة الطريق. وأحسب أن المتلاعبين في السوق سيجدون فوائد كثيرة في الانخراط في بعض من تلك البرامج.
نقطة أخيرة بخصوص ما لاحظه البعض على المدة الطويلة (نحو أربعة أشهر) التي انقضت بين تاريخ صدور القرار وبين تاريخ نشره حسبما نشرت جريدة ''الجزيرة'' في 11/1/1432هـ، عسى أن يتم تلافي ذلك مستقبلا كي تلمس السوق في حين ضبط الواقعة الأثر المعنوي والتربوي للقرار، وأن يعلن عن أسماء المخالفين في أوقات متقاربة. إن عنصر الردع في تلك القرارات ينبغي التوكيد على أهميته ما يدعو أيضا إلى نشرها على نطاق واسع ربما من خلال الفقرات الاقتصادية التي تبثها القنوات التلفزيونية إلى جانب الإعلان في الصحافة المقروءة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي