البطالة الصفرية.. رقم صعب

تعد البطالة أحد أكثر المشاكل الاقتصادية تحديا للدول، حيث تعكس انخفاض إنتاجية الاقتصاد، وتراجع نموه. وهذا بدوره يفرض ضغوطا كبيرة على الدولة لاستيعاب هؤلاء العاطلين، كما يفرض ضغوطا على المجتمع؛ لما تفرزه ظاهرة البطالة من مشاكل اجتماعية وأمنية. لذلك، تضع كل الدول والحكومات أولوية كبرى للتعامل مع مشكلة البطالة؛ للحد من تفشيها، ولتخفيضها إن أمكن، من خلال تبني برامج تجسير بين الفرص الوظيفية وبين طالبي العمل، أو من خلال برامج إعادة التأهيل لطالبي الوظائف؛ ليتم إعادة توظيفهم في مجالات جديدة.
كذلك، تتبنى كثير من الدول، خصوصا المتقدمة، مبدأ الحماية للفرص الوظيفية في الاقتصاد، من خلال الحد من الاعتماد على العمالة الأجنبية، وإعطاء الأولوية في هذه الوظائف للمواطن. لكن لماذا تفعل هذه الدول ذلك إذا كانت تؤمن بمبدأ الحرية الاقتصادية؟ لأن اختلاف الميزات النسبية بين الدول فيما يتعلق بتكلفة المعيشة، أو الأجور النسبية، يجعل من الصعب على المواطن أن يتنافس مع الأجنبي القادم من الدول الأقل دخلا وأكثر سكانا. وبالتالي، فإن هذه الدول تضع حدودا عليا للعمالة الأجنبية في الاقتصاد الوطني، وتعطيهم الحق للعمل في قطاعات محددة. مثلا الولايات المتحدة الأمريكية تحدد سنويا حصة محددة للأجانب في الوظائف من خلال عدد محدد من الفيز المصدرة لهم، كما تقصر مجالات العمل على قطاعات معينة تعاني من عجز فيها.
كذلك، تشرع قوانين العمل وضع حد أدنى للأجور؛ للحماية من تدني الأجور بسبب منافسة العمالة الأجنبية، وضرورة الحصول على حماية تأمينية صحية، والعمل حدا أدنى وأعلى من ساعات العمل الأسبوعية، ودعم الأجور من قبل الدولة لتشجيع مؤسسات القطاع الخاص على توظيف المواطنين أو الإبقاء عليهم خلال الأزمات. كل هذه التدابير تحاول الدول تطبيقها للحد من تفاقم معدلات البطالة عن المعدلات المقبولة. المملكة ودول الخليج العربي، تعاني اقتصاداتها من تفاقم معدلات البطالة بشكل كبير، وفي الوقت نفسه وجود عمالة أجنبية كبيرة على أراضيها. بل إن إحدى الظواهر الغريبة هي ازدياد البطالة حتى بين الأجانب أنفسهم، وهذا يعكس عدم وجود تقييم كمي، وعدم وجود تخطيط مستقبلي لما يحتاج إليه الاقتصاد فعليا من العمالة الأجنبية؛ مما يؤدي إلى الكثير من الآثار السلبية والأنشطة الطفيلية التي تستنزف الاقتصاد بشكل كبير.
مطلوب من كل من وزارة العمل ووزارة الاقتصاد والتخطيط عمل الكثير لوضع تخطيط مدروس لحاجات الاقتصاد من العمالة الأجنبية، مبني على أسس علمية مقبولة، لا على شعارات فضفاضة. فعندما تضع وزارة الاقتصاد في رؤيتها الاستراتيجية استهداف معدل صفر للبطالة، وعندما تؤكد ذلك وزارة العمل في استراتيجيتها للتوظيف بالإشارة إلى هدف (توفير فرص عمل كافية من حيث العدد، وملائمة من حيث الأجر، تؤدي إلى توظيف كامل للموارد البشرية السعودية، وتحقق ميزة تنافسية للاقتصاد الوطني)، هذا يجعلك تتساءل عن تأهيل من وضع هذه الخطة، وهل يفهم ما معنى أن يكون معدل البطالة صفرا؟ معنى ذلك أنه لا يوجد أحد يبحث عن عمل، وأنه لا توجد شركات تخسر وتسرّح بعض الموظفين، ولا يوجد شخص يرغب في الانتقال من عمل إلى عمل آخر. ومعنى ذلك، أن معدلات التضخم في هذا الاقتصاد سترتفع بشكل كبير؛ لأن الأجور حتما سترتفع.
الناس تريد أرقاما، وتبحث عن إجابات على تساؤلات كثيرة: لماذا لم ينخفض معدل البطالة في حين تزداد نسبة العمالة الأجنبية؟ قد نقول التأهيل، إذاً كيف يمكن تفسير وجود ما نسبته 60 في المائة من العمالة الأجنبية الأمية والتي لا تقرأ ولا تكتب؟ ماذا حصل لبرامج السعودة في قطاعات كثيرة، مثل الليموزين، وأسواق الذهب، وأسواق الخضراوات، وقطاعات الخدمات؟ لماذا عدنا إلى نقطة الصفر في هذه القطاعات؟ لماذا يوجد بطالة بين العمالة الأجنبية نفسها؟ كيف ستتعامل وزارة العمل ووزارة الاقتصاد مع الأعداد الكبيرة المتزايدة عاما بعد عام من خريجي الجامعات والمعاهد المهنية والكليات التقنية، وخريجي برامج الابتعاث الخارجي؟
مهمة صعبة، لكنها غير مستحيلة، والعمل يجب أن يؤسس على أسس اقتصادية صحيحة لكي يؤتي ثماره. زيادة التوظف أحد أهم العناصر الداعمة للنمو الاقتصادي. وزير العمل أشار في كلمته على الموقع الإلكتروني للوزارة إلى (إن وزارة العمل لا تخلق فرص العمل بذاتها، بل يخلقها الاقتصاد النشط والتطور المستدام. ولكن وزارة العمل هي بكل تأكيد ذلك المحرك للقوانين والتشريعات وللآليات وللضوابط والمعايير التي تجعل العمل فرصا عادلة وحقا مشروعا ومردودا منصفا لكل فرد من أفراد المجتمع، كما تتيح لكل مواطن ومواطنة وسائل التعلم والتدريب التي تجعل من كل منهما ذاتا مؤهلة في نفسها فاعلة ومؤثرة في تطوير وطنها ومجتمعه).
أتمنى أن تعمل وزارة العمل على (تحريك) هذه الأنظمة والقوانين والتشريعات والآليات والضوابط والمعايير التي تجعل العمل فرصة عادلة للمواطن السعودي وحقا مشروعا (السعودة)، ومردودا منصفا (الأجر) لكل فرد من أفراد المجتمع السعودي، وأن نرى نتائج ذلك في القريب العاجل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي