نجاحات التعليم العالي والسنة التحضيرية
لم يشهد التعليم العالي في المملكة حراكاً تطويرياً كما هو حاصل الآن، ومنذ خمس سنوات، حراكاً شمل أجزاء رئيسة من مكونات وعناصر التعليم الجامعية، من أهمها تأسيس جامعات حكومية جديدة كامتداد لفروع جامعات قائمة في بعض المناطق والمحافظات، وإطلاق برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي، وتشجيع ودعم البحث العلمي من القطاعين العام والخاص، حراكاً تزامن مع قيادة حكيمة وذات نظرة ثاقبة بعيدة المدى، فيما يخص تطوير التعليم الجامعي وتوسيعه، لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ــــ حفظه الله ـــ مع قيادة وإدارة احترافية ووطنية على مستوى الوزارة والجامعات تدعم وتحقق توجهات الدولة، حراكاً تم فيه تسخير واستثمار الدعم المالي من قبل القيادة العليا وتعاون وزارة المالية بما يحقق منجزات سريعة وكبيرة، وغير مسبوقة، في التعليم العالي، حراكاً يركز على تطوير الموارد البشرية، الاستثمار الحقيقي للدول، استثمار أهم من الثروات الطبيعية والآلات، استثمار طالما كنا في انتظاره، استثمار يتحقق بمجهودات وزارة التعليم العالي. ولإدراك القيادة في وزارة التعليم العالي والجامعات أهمية تطوير مهارات مدخلات التعليم الجامعي، قامت باستحداث مشروع سنة تحضيرية أو تأهيلية لطلبة السنة الأولى في الجامعات، خريجي التعليم العام، مشروع مر في عدة تجارب، وحقق عدداً من الفوائد، ولكن ما زالت هناك مجالات للتطوير والتحسين في هذا المشروع.
قبل أربع سنوات تقريباً، بدأ تطبيق مشروع السنة التحضيرية على نطاقات ضيقة وفي جامعات محدودة، وخضع لعدة تعديلات إلى أن وصل إلى وضعه الحالي. من خلال مناقشات وشهادت مباشرة لعدد من أعضاء هيئة التدريس في بعض الجامعات ولعدد من الطلاب في مستويات مختلفة تضمنت السنة التحضيرية، السنة الثانية، والسنة الرابعة، كان هناك اتفاق عام على نجاح فكرة تخصيص سنة تحضيرية من حيث المبدأ، مع اختلاف في جوانب مزايا البرنامج وأوجه القصور التي تتطلب معالجة وتدخلا. وبشكل عام يمكن استخلاص الملاحظات والمقترحات التالية لتحسين ورفع مستوى مشروع السنة التحضيرية:
1- إعادة النظر في نوعية ومستويات أعضاء هيئة التدريس المخصصين للسنة التحضيرية التي تعتمد على أساس التعاقد من خارج الجامعة (Outsourcing)، على أن يتم إخضاع جميع الأساتذة في السنة التحضيرية في التأهيل لنفس المعايير المطبقة على أعضاء هيئة التدريس الحاليين.
2- نظراً لاختلاف مستويات اللغة الإنجليزية لدى الطلاب، حيث إن هدف تعليم اللغة هو تحسين مستوى اللغة لدى الطلبة ورفعه إلى مستوى معين ومقبول مع توزيع الطلبة على مجموعات حسب مستوياتهم، فقد يكون من المناسب عدم تخصيص معدل لمادة اللغة الإنجليزية والاكتفاء بدرجة ناجح/ راسب (Pass/Fail) حتى لا تؤثر على معدل الطالب العام، وخصوصاً أنها تمثل أكبر عدد من ساعات الفصل الدراسي في السنة التحضيرية.
3- توحيد وتقنين معدلات القبول في التخصصات بين الجامعات على أساس درجة مركبة من معدلات الاختبار التحصيلي والقدرات العامة المقدمة من ''قياس'' والمعدل المحصل في السنة التحضيرية، مع عدم احتساب درجة الثانوية العامة في الدرجة المركبة.
4- تحفيز الطلاب المتميزين لتجاوز السنة التحضيرية إذا أثبتوا قدرات فائقة في اختبارات تقييم مستوى ومهارات اتصال وغيرها من المهارات المحددة حسب المسار المحدد في السنة التحضيرية.
كما يمكن الاستفادة من فكرة مشروع السنة التحضيرية لدعم برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي من خلال إلحاق الطلبة الذين تنطبق عليهم الشروط ببرنامج مماثل وتحت إشراف الجامعات ولمدة سنة، بعدها يضم للبعثة من يجتاز السنة التحضيرية بتفوق. من خلال هذه الآلية يمكن لبرنامج الابتعاث الخارجي منافسة الجامعات على استقطاب أفضل الكفاءات وخصوصاً في مرحلة البكالوريوس. برنامج الابتعاث الحالي يغطي جميع المراحل، البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وقد يكون من المناسب إعادة النظر وحصر برنامج الابتعاث على مرحلة البكالوريوس، مع توفير البرنامج عددا كافيا من البعثات للدراسات العليا ولكن من خلال الجامعات، بحيث تتم زيادة أعداد المعيدين المؤهلين في المجالات العلمية والصحية المطلوبة ودعم ابتعاثها، برنامج تعاون استراتيجي بين الوزارة والجامعات لا يدعم فقط الجامعات السبع الأساسية ولكن ـــ وهو الأهم ـــ يدعم الجامعات الجديدة.
أما الجامعات الجديدة، التي وصلت إلى (25) جامعة مع الحالية، ونظراً للوقت القياسي الذي تم فيه إنشاء هذه الجامعات، ولتعدد وكبر حجم المهام الملقاة على عاتق إدارات هذه الجامعات والجدول الزمني المطلوب الالتزام به، ولحجم التوقعات المرجوة من هذه المشاريع من قبل القيادة العليا ومن مقام الوزارة، ومن خلال بعض المناقشات مع بعض المسؤولين في هذه الجامعات، فقد يكون من المناسب إنشاء مكتب تنسيقي لهذه المشاريع (PMO) في وزارة التعليم العالي يعنى بمتابعة المشاريع الخاصة بالجانب الأكاديمي والتعليمي والبشري والمالي والتنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى، بخلاف البنية التحتية، بحيث يتم من خلال هذا المكتب تبادل الخبرات ونقلها بين الجامعات، تنسيق لا يوفر فقط في التكاليف ولكن أيضاً يسرع في عملية التجهيز والتشغيل لهذه الجامعات وبكفاءة عالية، إضافة إلى تراكم الخبرات الخاصة بتطوير وإنشاء الجامعات بحيث يمكن إعداد دليل ونماذج وآليات موحدة عند إنشاء جامعة، كتطبيق مباشر لإدارة المعرفة في مجال تطوير وإنشاء وتشغيل الجامعات.
وللحديث بقية...