هل يجوز للأفراد تملُّك الشمس والقمر؟

نشرت جريدة ''الشرق الأوسط'' في عددها الصادر يوم الإثنين 23/12/1431هـ الموافق 29/11/2010 خبراً طريفاً مفاده بأن امرأة إسبانية من إقليم (جالسيا) تدعى (إنجليس دوران) تبلغ من العمر 49 عاما، سجلت ملكيتها للشمس في مكتب محلي للتوثيق والإشهار العقاري في أيلول (سبتمبر) الماضي، بعدما قرأت أن أمريكياً سجل ملكيته للقمر ومعظم الكواكب الأخرى في المجموعة الشمسية.
وتضمن الخبر الإشارة إلى وجود اتفاقية دولية تنص على عدم حق أي دولة في العالم في إعلان ملكيتها لكوكب أو نجم، إلا أن الاتفاقية لا تشير إلى الأفراد.
وأشارت دوران إلى أنها دعمت ملكيتها قانونيا قائلة: ''لست غبية. أعرف القانون. لقد فعلتها، وكان يمكن لأي شخص القيام بذلك، ولكني فكرت فيها أولا''. وأوضحت وثيقة الشهر العقاري أن دوران (مالكة الشمس، وهو نجم من النوع الإشعاعي يقع في مركز النظام الشمسي، يبعد عن الأرض بمسافة 6ر149 مليون كليومتر). وقالت دوران، التي تعيش في بلدة سالفاتيرا دو مينو إنها تريد فرض رسم على كل شخص يستخدم الشمس، وستدفع نصف العائد إلى الحكومة الإسبانية و20 في المائة إلى صندوق التعاقد في البلاد. كما ستخصص 10 في المائة إلى مجال الأبحاث و10 في المائة لإنهاء المجاعة في العالم، بينما ستحتفظ بالباقي لنفسها. وقالت: ''لقد حان الوقت لبداية تطبيق ذلك على الفور. وإذا كانت هناك فكرة حول إمكانية تحقيق دخل وتحسين الاقتصاد ووضع الناس، فلماذا لا نفعل ذلك؟''.
وأحسب أنه لو علم تجار العقار في بلادنا بهذا الخبر لربما عَضَّ بعضهم الأنامل من الحسرة على ضياع فرصة لا تعوض لتسجيل ملكية القمر والأجرام السماوية الأخرى بأسمائهم، وإقامة مخططات عقارية عليها وطرحها للمساهمة العامة. فهل حقاً ضاعت على تجارنا العقاريين فرصة ثمينة لا تعوض؟.. أحاول في هذا المقال الإجابة عن هذا السؤال فأقول ما يلي:
أولا: لقد أرست قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بالفضاء الخارجي والأجرام السماوية والاتفاقيات الدولية التي أبرمت في إطارها نظاماً قانونياً دولياً خاصاً بالفضاء الخارجي والأجرام السماوية، ونظراً لأن موضوع الخبر يتعلق بالملكية الخاصة للشمس والقمر والأجرام السماوية الأخرى، فإن من المفيد أن أشير إلى المبادئ القانونية ذات الصلة بهذا الموضوع التي أرستها معاهدتان، الأولى (معاهدة المبادئ التي تحكم أنشطة الدول في استكشاف واستعمال الفضاء الخارجي بما في ذلك القمر والأجرام السماوية). وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه المعاهدة في 19/12/1966 بموجب قرارها رقم 2223، وأصبحت سارية المفعول بدءا من أول آذار (مارس) عام 1967م بعد أن اكتمل التصديق عليها من 72 دولة. والمعاهدة الثانية هي المعاهدة المنظمة لأنشطة الدول على سطح القمر والأجرام السماوية الأخرى، التي وافقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 5/12/1979م بموجب قرارها رقم 34/68، وأصبحت نافذة المفعول في 11/7/1984.
ثانياً: نصت المعاهدة الأولى في مادتها الثانية على ما يلي:
(لا يكون الفضاء الخارجي بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى، محلاً للتملك الوطني بادعاء السيادة أو على أساس الاستعمال أو وضع اليد أو بأي وسائل أخرى).
وما دامت الأجرام السماوية ليست محلاً لتملك أي دولة، فإن ذلك يستتبع من الناحية القانونية عدم قابليتها للتملك الفردي، والقول بغير ذلك يؤدي إلى تجريد نص المادة الثانية من معناها، بل يؤدي إلى تجريد الاتفاقية برمتها من أهدافها الأساسية المنصوص عليها في بعض مواد المعاهدة، فالمادة الأولى قررت أن يكون استكشاف واستعمال الفضاء الخارجي، بما في ذلك، القمر والأجرام السماوية الأخرى، لتحقيق فائدة ومصالح جميع البلدان، أيا كانت درجة نمائها الاقتصادي أو العلمي، لأنهما مجالا نشاط للبشرية جمعاء. وأن لجميع الدول حرية استكشاف واستعمال الفضاء الخارجي، بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى، دون أي تمييز وعلى قدم المساواة وفقاً للقانون الدولي، كما أن حرية الوصول إلى جميع مناطق الأجرام السماوية مكفولة. كذلك تعد حرية إجراء الأبحاث العلمية مكفولة، في الفضاء الخارجي بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى، وعلى الدول مراعاة تيسير وتشجيع التعاون الدولي في مثل هذه الأبحاث. كما أن المادة الثالثة من المعاهدة ألزمت الدول الأطراف، في مباشرة أنشطتها في مجال استكشاف واستعمال الفضاء الخارجي، بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى مراعاة القانون الدولي، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة، بغية صيانة السلم والأمن الدوليين وتعزيز التعاون والتفاهم الدوليين وتدعيمهما. وبموجب المادة الرابعة من المعاهدة تعهدت الدول الأطراف بعدم وضع أي أجسام تحمل أسلحة نووية أو أي نوع آخر من أسلحة الدمار الشامل، في أي مدار حول الأرض، أو وضع مثل هذه الأسلحة على أي أجرام سماوية أو في الفضاء الخارجي بأي طريقة أخرى. كما ألزمت هذه المادة جميع الدول الأطراف بأن تقصر استعمالها للقمر والأجرام السماوية الأخرى على الأغراض السلمية، كما يحظر عليها إنشاء قواعد أو منشآت أو تحصينات عسكرية، وإجراء تجارب بأي نوع من أنواع الأسلحة وإجراء أي مناورات عسكرية على الأجرام السماوية.
ثالثاً: كررت المعاهدة الثانية الخاصة بتنظيم أنشطة الدول على سطح القمر والأجرام السماوية الأخرى في مادتها الحادية عشرة (فقرة 2) مبدأ رفض التملك للقمر الوارد في المادة الثانية من المعاهدة الأولى الخاصة بالفضاء الخارجي، وأكدت انتفاء ملكية سطح القمر أو ما تحت سطحه أو أي موارد طبيعية موجودة فيه، ويرى بعض فقهاء القانون الدولي أن إقامة أي مستوطنات على القمر أو أي جرم سماوي آخر لا تؤسس حق ملكية إعمالاً لنص المادة الثانية من معاهدة الفضاء الخارجي التي ترفض تملك الفضاء الخارجي والأجرام السماوية.. كما أن الفقرة (3) من المادة الحادية عشرة من اتفاقية القمر قررت أنه (لا ينشأ عن وضع العاملين والمركبات الفضائية، ومرافق المعدات، وإقامة المحطات والمنشآت فوق سطح القمر أو تحته، بما في ذلك الهياكل المتصلة بسطحه أو تحت سطحه، حق في ملكية سطح القمر أو ما تحت سطحه أو أي مناطق منه). واعتبرت معاهدة القمر الموارد الطبيعية للقمر تراثاً مشتركاً للإنسانية، ووضعت القواعد المنظمة لهذا الشأن، والحديث عنها يخرج عن نطاق موضوع هذا المقال.
رابعاً: مما سبق يتضح أن الفضاء الخارجي أشبه بأعالي البحار التي لا يجوز لأي دولة فرض السيادة عليها أو تملكها من قبل أي شخص طبيعي أو معنوي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدكتور محمد طلعت الغنيمي ـــــ يرحمه الله ـــــ الذي كان أستاذا للقانون الدولي العام في جامعة الإسكندرية، قد حدد في كتابه (قانون السلام في الإسلام) الوضع القانوني للأجرام السماوية بأنها من قبيل الأقاليم المشتركة للجماعة الدولية، وأن استبعاد حق أي دولة في أن تدعي سيادة على جرم من تلك الأجرام، أو أن تحتكر الانتفاع به يتفق مع ما جاء في القرآن الكريم بخصوص تلك الأجرام إذ يقول الحق ـــ سبحانه وتعالى ـــ (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين)، ويقول ـــ عز وجل ـــ (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر)، وقوله تعالى (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره)، فالشمس والقمر والكواكب الأخرى سخرها الله جميعاً للإنسان، وكل نشاط يتعلق بها يجب أن يستهدف خير البشرية.
ونخلص مما سبق إلى القول إن ادعاء بعض الأشخاص ملكيتهم للشمس والقمر وغيرهما من الأجرام السماوية، وتسجيل هذه الملكية المزعومة لدى جهات التوثيق والشهر العقاري في بلادهم هو أفكوهة تدعو إلى الابتسام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي