عمل المرأة معطل بين الممكن والممنوع
التوصيات التي صدرت عن منتدى السيدة خديجة بنت خويلد في دورته الثانية، الذي عقد في محافظة جدة تحت عنوان ''واقعية مشاركة المرأة في التنمية الوطنية 1431هـ - 2010''، ونشرتها صحيفة ''الوطن'' في العدد 3715، أقرب ما يمكن وصفها بالمطاطة التي لم تأتِ بجديد يعمل على تفعيل عمل المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها السعودية، ولا سيما أنها تضمنت عبارات وكلمات مكرورة ومستهلكة، استخدمت في توصيات سابقة صدرت عن عدد من المنتديات والمؤتمرات والملتقيات النسائية المماثلة، التي عقدت في فترات سابقة ودعت إلى تفعيل عمل المرأة السعودية في الاقتصاد.
تأكيدا على ضعف تلك التوصيات وخلوها من الجديد، مطالبة أحدها باستحداث هيئة تعنى بشؤون المرأة، على الرغم من وجود قرار صادر عن مجلس الوزراء رقم (63) وتاريخ 11/3/1424هـ، نص على ضرورة إنشاء لجنة عليا دائمة ومتخصصة في شؤون المرأة، ومطالبة توصية أخرى بالعمل على وضع خطة وطنية لتحسين صورة المرأة في المجتمع، على الرغم من أن جميع التصريحات والقرارات الصادرة عن الجهات الحكومية المعنية بشؤون المرأة في السعودية، تؤكد أهميتها ومكانتها الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك أهمية مشاركتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأخيرا مطالبة إحدى التوصيات بسنّ قوانين وأنظمة تكفل رعاية الأمومة والطفولة للمرأة العاملة، على الرغم من أن القوانين المنظمة لعمل المرأة في السعودية، تتضمن عددا من المواد التي تكفل تحقيق مثل تلك المطالبات والحقوق.
من هذا المنطلق كنت أتطلع من منتدى في حجم وأهمية وثقل منتدى السيدة خديجة بنت خويلد، أن تصدر عنه توصيات أكثر تركيزا ووضوحا تحاكي بشكل مباشر المعوقات التي تقف عائقا أمام مشاركة المرأة في التنمية واقتراح الحلول المناسبة لها، إضافة إلى تشديدها على ضرورة وأهمية تفعيل عدد من القرارات الصادرة بخصوص توسيع مجالات عمل المرأة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، مضمون القرار الوزاري الشهير 120، الذي سمح بعمل المرأة في مجالات بيع المستلزمات النسائية، وإلى غير ذلك من القرارات الحكومية المهمة الصادرة في ذلك الشأن.
في تصوري أن مشكلة انتشار البطالة بين النساء السعوديات، هو استمرار التسويف وتعطيل تنفيذ القرارات الحكومية الصادرة عن الحكومة، المرتبطة بتفعيل عمل المرأة في الاقتصاد وتوسيع مجالات توظيفها، الأمر الذي سيضاعف من مستويات البطالة المنتشرة بين النساء في السعودية، ولا سيما أنها وصلت إلى نسبة مرتفعة للغاية نحو 26 في المائة، بسبب ضعف مشاركة ومساهمة المرأة في سوق العمل المحلية، التي تبلغ 12 في المائة، في حين تصل في بعض الدول الأخرى إلى نحو 50 في المائة في المتوسط.
الأمر الآخر الذي يفرض الحاجة إلى عمل المرأة، وجود نسبة لا بأس بها من النساء السعوديات مسؤولات مسؤولية مباشرة عن إعالة أسرهن وعن مساندة رب الأسرة في تحمل أعباء ونفقات الحياة والمعيشة؛ إذ تشير المعلومات إلى أن نسبة الإعالة في السعودية تعد الأعلى مقارنة بدول العالم الأخرى، حيث إن هناك ما يقارب 25 في المائة من السعوديين يعملون كي ينفقوا دخلهم على إعالة 75 في المائة من أفراد أسرهم، كما أن وجود عدد لا بأس به من المطلقات والأرامل في المجتمع السعودي، يفرض الحاجة إلى عمل المرأة.
من بين العوامل أيضا المعرقلة لعمل المرأة والتوسع في مجالات التوظيف المختلفة في المملكة، البيروقراطية المصاحبة لإنشاء المشاريع التجارية والاستثمارية، حيث قد أوضحت دراسة صادرة عن مركز خديجة بنت خويلد، التي نشرت تفاصيلها في صحيفة ''الوطن'' في العدد 3589، أن من بين المعوقات التي تواجه صاحبات الأعمال السعوديات لدى إقامتهن المشاريع التجارية، عدم وضوح السياسات والأنظمة والتشريعات المنظمة للأعمال التجارية، هذا إضافة إلى المعوقات والعوائق الاجتماعية، المتمثلة في عدم القدرة على الموازنة بين الحياة المهنية والحياة العائلية، كما أن حصر مجالات العمل ببعض الأنشطة التجارية على الرجال دون النساء، يعرقل من التوسع في مجالات عمل المرأة، بما في ذلك التوسع في توظيفها.
للخروج من مأزق تفشي البطالة بين النساء في المملكة، وتحقيق مطلب توسيع مجالات عمل المرأة ومساهمتها في التنمية الاقتصادية، الأمر يتطلب إلزام جميع القطاعات التجارية والاقتصادية في البلاد، بتنفيذ القرارات الصادرة بشأن توسيع مجالات عمل المرأة ومعاقبة المخالفين، كما أنه بات من الضروري تغيير ثقافة ونظرة المجتمع إلى عمل المرأة، على أنه نوع من أنواع الترف الاجتماعي وأن المرأة مكانها الوحيد المنزل، ووظيفتها الرئيسة في الحياة رعاية الزوج وتربية الأطفال، وبالذات في حالة وضع النساء اللاتي هن في حاجة ماسة إلى العمل لمواجهة ظروف الحياة وأعباء المعيشة.
كما أن فتح مجالات وآفاق عمل جديدة للمرأة وتحرير بعض مجالات العمل والأنشطة التجارية والاستثمارية من قبضة الرجل التي ظل يحتكرها لفترة طويلة من الزمن، والسماح للمرأة بالعمل فيها، سيساعد دون أدنى شك على تفعيل مساهمتها في الاقتصاد وفي توظيفها، ولا سيما أن ذلك سيعمل على إصلاح الاختلال الحاصل في قوة العمل السعودية؛ إذ تشير المعلومات إلى أن عدد الذكور يشكلون نحو خمسة أضعاف عدد الإناث من إجمالي قوة العمل، حيث يبلغ عدد الذكور 3.340.000 فرد، في حين يبلغ عدد الإناث 660 ألف سيدة.
إن الاستفادة من الخبرات المتراكمة عبر السنين في عدد من القطاعات الاقتصادية والاستثمارية والخدمية والتجارية في المملكة، المرتبطة بتوظيف النساء، مثل قطاع الإعلام والقطاع المصرفي، سيساعد دون أدنى شك، على توظيف عدد كبير من النساء السعوديات، ولا سيما أن هذين القطاعين قد حققا نجاحا باهرا في مجال توظيف المرأة، باتباعهما خطط واستراتيجيات توظيف مدروسة وصادقة وواقعية، مكنتهما من التوسع في مجالات عمل المرأة، التي أصبحت اليوم تسهم بفاعلية في تنميتهما.
آخرا، وليس أخيرا، إن توحيد الفتاوى الخاصة بمجالات عمل المرأة؛ امتثالا لأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بتوحيد الفتوى وقصرها على هيئة كبار العلماء، سيساعد على رعاية المصالح الكبرى للمرأة والبعد عن الأقوال الشاذة والمرجوحة، التي لا تساعد على تحقيق الأهداف السامية والنبيلة المرجوة من وراء عمل المرأة، والله من وراء القصد.