دعوة لضبط نفس إعلامي

كثيراً ما يحدث الخلاف في وجهات النظر وكثيراً ما يتمسّك كل طرف من المختلفين بوجهة نظره ويصر على رأيه الذي يعتقد في داخله بأنه صحيح، وأن رأي غيره خطأ، ولكن في خضم هذا الأمر يحرص البعض على تذكر مقولة "إن الخلاف لا يفسد للود قضية".
البعض ـــ خصوصاً في المجال الإعلامي ـــ يجد في الخلاف بين الأطراف فرصة ذهبية أن تكون مادة إعلامية دسمة يستطيع من خلالها أن يبرز نفسه ويحقق بعض أهدافه، فكلما ارتفعت الأصوات بالخلاف حقق مزيداً من المكاسب، وكلما زادت الفرقة بين أفراد المجتمع استمر هو في ميدانه ليحقق مزيداً من التسلق والتملق نحو الشهرة، فدوره الرئيس يتركز في إضرام نار الخلاف من خلال إبراز تحليلات وتسليط الضوء على كلمات معينة وتأويل مواقف بشكل مشبوه يخالف الواقع، ونجاحه يعتمد على قدرته في إبقاء النار مشتعلة بين الأطراف لأطول فترة ممكنة، وينطفئ وهجه كلما خبت النار بين الأطراف، ولنا في البرنامج الشهير على قناة "الجزيرة" مثلٌ واضحٌ، إذ يُبدع مقدمه في تقديم هذا الدور إبداعاً حقق من خلاله شهرة واضحة ومميزة، بل إن فقرات الإعلان عن برنامجه تركز دائماً على إظهار المتحاورين وهم على وشك أن يتحول حوارهم إلى عراك بالأيدي، كل ذلك من خلال تسليط الضوء على جوانب الخلاف في الأفكار والتوجهات.
واليوم يحرص بعض الإعلاميين في وطننا ومن خلال وسائل عدة على اقتفاء هذا المنهج، فالبعض يقلد برنامج قناة "الجزيرة"، والبعض ينشر مقالات متناقضة في الصحف، والبعض جعل من مواقع الإنترنت ساحة حرب يحرص من خلالها على تأجيج الخلاف بين الأفكار والآراء المتناقضة، ولا حرج في أن نبرز الآراء المختلفة، ولا حرج في أن يكون لكل رأيه ومنهجه ووجهة نظره، فليس شرطاً أن نكون جميعنا متفقين ولن نستطيع أن نتفق جميعاً على رأي واحد، فلكل منا فلسفته، ولكن الحرج كل الحرج، أن يقودنا هذا الخلاف إلى مستوى من النقاش غير مقبول، ويتنافى مع الأخلاق الإسلامية ولا يسمو بنا إلى المستوى الثقافي الذي نتوق إليه، وإذا كنا اليوم ندعو إلى حوار الأديان وإلى الحوار مع الآراء والمذاهب المختلفة وإلى تأصيل هذا المنهج في سلوكنا وثقافتنا، فكيف يمكن أن نطبق هذا الأمر مع الآخرين ونحن نهبط في خلافنا اليوم إلى أسفل سافلين، بل نفتقد في كثير من الأحيان أبجديات قبول الرأي الآخر المختلف.
إنني أتابع بألم شديد ما أراه من مستوى في الخلاف وصل إليه اليوم بعض مَن يتصدّر قنواتنا الإعلامية، وأدعو إلى تجفيف منابع تأجيج الخلاف, كما أنني أدعو المختلفين إلى ضبط النفس والعودة إلى أصول الخلاف ومائدة الحوار والحرص على تحكيم العقل والمنطق، والنظر في أبعاد ومستوى هذا الخلاف والتدبر في النهاية التي يمكن أن يصل إليها إن تم المُضي فيه بهذا الأسلوب الهابط.
إننا كأفراد في هذا المجتمع علينا واجب مهم وهو المحافظة على وحدة أفراده والسعي نحو توثيق عُرى المحبة والأخوة والترابط فيما بيننا، وقطع الطريق أمام كل مَن يحرص على زرع بذور الخلاف والشقاق، وكم أتمنى أن يكون لدينا ميثاق نتعاهد من خلاله على أن نحترم بعضنا بعضا، ونقدِّر بعضنا، ونحفظ لبعضنا بعضا الأسس التي تقوم عليها رابطة الدين والإنسانية ولا نتجاوزها بحال من الأحوال مهما بلغت درجة الخلاف فيما بيننا، فنحن في نهاية المطاف مسلمون نعيش في مجتمع واحد جنباً إلى جنب وهدفنا واحد، وهو الرقي بهذا المجتمع بما يسهم في تنمية أفراده والحفاظ على حقوقهم والعيش جميعاً في محبة وسلام ووئام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي