خبر واسع الانتشار
من يريد اليوم أن ينشر خبراً مهماً بحيث يتم وصوله إلى أرجاء العالم في لحظات ليس عليه إلا أن يعمد إلى أن يكون الخبر مرتبطاً ببعض القضايا الحساسة فعلى الصعيد السياسي الدولي يكفي أن تكتب كلمة (القاعدة) أو (إسلاميين متشددين) أو تكتب عن فرد أو مجموعة أن لهم صلة (بجماعات متشددة) أو عن إنشاء مواقع لتجارب نووية أو محاولات (إرهابية) أو غيرها من الكلمات الرنانة التي أصبحت تستقطب الكثير من المحللين وأصحاب الرأي، وعلى الصعيد الاقتصادي يكفي أن تذكر أن هناك (شبح التراجع الاقتصادي) و(الأزمة العالمية الاقتصادية) أو (تراجع الطلب على البترول) أو كلمة (الأسهم) لتضمن انتشارا واسعاً لمثل تلك الأخبار الاقتصادية، وفي الجانب الفني تبقى أسماء نجوم الفن في العالم خصوصاً في هوليوود هي من أكثر ما يستقطب الأخبار وفي كثير من الأحيان بغض النظر عن مضمون الخبر فيكفي أن يذكر فيه اسم ذلك الفنان أو تلك الفنانة، وعلى الصعيد الرياضي يسيطر نجوم كرة القدم في العالم على الأخبار وإن حاول أن ينافسهم أخيرا المدربون على حصة انتشار وتوسع الأخبار.
أما في مجتمعنا المحلي فحتى تضمن انتشارا واسعاً لخبرك فعليك أن تحرص على أن يكون الخبر ذا صلة ببعض المواضيع غير التقليدية كأن يكون كشفاً عن جريمة أو تنويهاً عن قضية فساد أو رذيلة أو أن يكون في الخبر قضية ترتبط بأحد موظفي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قريب أو بعيد أو أن يكون في مضمون الخبر قضية تخص قاضيا في محكمة أو كاتب عدل أو إمام مسجد أو أن يرتبط الخبر بفتاة أو سيدة أو خادمة أو شخصية مشهورة أو مسؤول في إحدى الجهات الحكومية، وهكذا أصبح مستوى الأخبار التي يكتب لها الانتشار والتوسع بل وتصدر الصفحات الأولى.
لم تعد الأخبار الإيجابية تجد قبولاً لدى بعض وسائل الإعلام ولم تعد الأخبار التي تدعو للتفاؤل تجد مكاناً لها بين صفحاته وإن وجدت فهو مكان مغمور لا يكاد يرى، فالتوجه الإعلامي اليوم بشكل عام والصحفي بشكل خاص أصبح يركز وبشكل كبير وفي كثير من الأحيان على الإثارة وعرض الشاذ من الأحداث وكشف السلبيات بطريقة قد يكون فيها مبالغة أو تشويه للحقيقة ولفت الانتباه لتحقيق توسع في الانتشار، كل ذلك للأسف على حساب المصداقية من جهة وعلى حساب عرض صورة قاتمة عن مجتمعنا من جهة أخرى يحرص الأعداء على استغلالها.
أنا لا أدعو إلى إخفاء السلبيات ولا أدعو إلى إنكارها فنحن مجتمع كباقي المجتمعات لدينا الإيجابيات ولدينا السلبيات ولكن ما أدعو إليه هو أن يكون لدينا توازن في عرض الأخبار بحيث لا تكون وسائلنا الإعلامية أداة تسعى من خلالها إلى تحقيق أهدافها على حساب المجتمع فتركز على بعض الأخبار وتتجاهل أخرى وتظهر بعض الأحداث في مواقع بارزة وتخفي أحداثا أخرى قد تكون لها الأهمية نفسها وذلك حرصاً على تأكيد توجه معين أو تأييد قضية ما أو الوقوف ضدها.
إن الإعلام رسالة ومصداقية وقد وصل مستوى أخبارنا اليوم إلى الحد الذي لا يمكن الوثوق به فما إن تسمع أو تقرأ خبرا إلا ويتبادر إلى ذهنك السؤال (معقول؟) بحيث تحرص على أن تتأكد من الأمر، وأحياناً قد يكون الخبر صحيحاً ولكن تفاصيله تأتيك بروايات متفاوتة تنقض بعضها بعضاً، فحري بوسائل إعلامنا أن تسعى اليوم إلى تحقيق انتشار الأخبار من خلال مصداقيتها ودقتها لا من خلال إثارتها.