نصف التكلفة في الأرض
بعد نشري مقالة سابقة بعنوان: ''ماذا؟ أراضٍ صغيرة، ومملكتنا قارة!''، تلقيت رسالة بالبريد الإلكتروني من أحد القراء، أبدى فيها وجهة نظره، مشددا على أهمية تمكين كل أسرة سعودية من الحصول على أرض بمساحة كبيرة. فعلى حد قوله: ''نعم (مكررا إياها ثلاث مرات)، نريد قطع أراضٍ كبيرة، فنحن أقل من عشرين مليون نسمة ونعيش في مملكة مساحتها قرابة مليونين ومائتي ألف كيلو متر مربع''، انتهى كلام القارئ.
وأعود في هذه المقالة لأعبر عن مدى حمدي وشكري لله ـــ عز وجل ـــ لكوننا نعيش في ''مملكة قارة''، ولكن الأمور لا تؤخذ بالتمني ولا بالتحلي. ويجب أن نفرق بين الرغبات الناتجة عن الأحلام والأماني، وبين المتطلبات الواقعية القائمة على الاحتياج الحقيقي والإمكانيات المتاحة. فكون مساحة مملكتنا أكثر من مليوني كيلو متر مربع ليس بالسبب الكافي للاستمرار في بناء مساكن كبيرة على قطع سكنية كبيرة تفوق إمكانيات الغالبية العظمى من الأسر، كما أنه لا يلغي حقيقة أن نصف تكلفة المسكن في المدن الرئيسة لدينا غدت في سعر الأرض فقط، وأكثر الأسر من ذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة لا يستطيعون توفير تكلفة شراء الأراضي الكبيرة أو البناء عليها. مع العلم بأن الأحياء السكنية القائمة في المدن الرئيسة والكثير من المخططات السكنية لدينا ما زالت تعاني نقص خدمات الصرف الصحي والرصف والإنارة والتشجير، أما في القرى والمدن الصغيرة فإن نقص مرافق البنية التحتية الأساسية أشد وأوضح. وجزء من هذه المشكلة سببه عائد إلى التوسع الأفقي للأحياء ذات القطع السكنية الكبيرة.
فهل يعقل أن تدفع كل أسرة سعودية نصف تكلفة توفير المسكن في سعر الأرض فقط، بينما النسبة العالمية في حدود (25 في المائة) من إجمالي تكلفة المسكن، ونستمر ـــ بعد ذلك ـــ في المطالبة بتوفير قطع سكنية كبيرة للجميع المقتدرين منهم وغير المقتدرين. إني بدعوتي المستمرة إلى تصغير مساحة قطع الأراضي السكنية لا أريد أن أحرم المقتدرين من بناء مساكن كبيرة أو قصور، ولكني أريد أن أزيد فرصة المحتاجين للحصول على منحة أرض سكنية تتوفر فيها الخدمات جميعها دون الحاجة إلى الانتظار لفترة طويلة تمتد إلى العديد من السنوات، كما أني أريد أن يتمكن أصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة من شراء الأرض وبناء المسكن بيسر وسهولة دون الحاجة إلى تحمل ديون تثقل كاهلهم وتنغص عليهم حياتهم في ليلهم ونهارهم. أما أصحاب الدخول المرتفعة فبإمكانهم شراء قطعتين أو أكثر من القطع الصغيرة وبناء مسكن كبير كما يرغبون وبحسب ما تسمح لهم إمكانياتهم المالية.
أستاذ العمارة والإسكان