دلائل على اجتياز القطاع المصرفي السعودي اختبارات الجهد
منذ تفجر الأزمة المالية العالمية في منتصف عام 2008، وانهيار رابع أكبر بنك استثماري على مستوى الولايات المتحدة ''ليمان براذرز''، بقيمة إجمالي أصول قدرت آنذاك بأكثر من 600 مليار دولار أمريكي، حرصت البنوك المركزية على مستوى العالم، بمطالبة البنوك التجارية، على إجراء ما يعرف باختبارات الجهد المصرفي، أو (اختبارات الفحص)، التي تجريها البنوك التجارية على مراكزها المالية، بأن تعرضها لعدد من أسوأ السيناريوهات الاقتصادية المحتملة الحدوث، مثل حالات من الركود أو الانكماش الاقتصادي أو التراجع الحاد في أداء القطاعات الاقتصادية، التي تؤثر على أنشطة البنوك؛ بهدف التعرف على قوة وملاءة البنوك المالية، وعلى قدرتها في الصمود والتعامل مع أسوأ الحالات الاقتصادية، وربط ذلك بحجم رأس المال، والسياسة المتبعة في التعامل مع المخاطر، بما في ذلك مع حجم ونوعية المديونيات.
عادة ما تشتمل اختبارات الجهد المصرفي، على مراجعة شاملة للمركز الائتماني للمصرف، وللديون طويلة الأجل والودائع، وربط ذلك باحتمالات من حالات التعثر المحتملة، في ظل - وكما أسلفت - سيناريوهات اقتصادية معينة، تنذر بحدوث حالات من التعثر في سداد المديونيات، إضافة إلى حدوث مشكلات ائتمانية مختلفة، وتبعا لذلك قد يضطر المصرف إلى رفع مستوى مخصصات الديون المشكوك في تحصيلها، والرفع من مستوى معدل كفاية رأس المال؛ بهدف تمكين المصرف من الاستمرار في ممارسة أنشطته وعملياته المصرفية بسلاسة وإنسايبة تامة، وبالذات المرتبطة بتمويل القروض والأصول طويلة الأجل في ظل تدفقات مالية قصيرة الأجل، تتمثل في الودائع الجارية الخاصة بالمودعين، التي يمكن للعملاء سحبها في أي وقت يشاؤون.
الوضع المالي والمصرفي في السعودية، يختلف تماما عما هو عليه واقع الحال في الولايات المتحدة وفي أوروبا، وبالذات أن السعودية لم تكن في الأساس جزءا من الأزمة المالية أو الائتمانية، سواء تلك التي حدثت في أمريكا أو التي حدثت أخيرا في أوروبا، وتبعا لذلك لم يتأثر القطاع المصرفي في المملكة، التأثر الملموس والملحوظ بتبعات وتداعيات تلك الأزمات، كما أن استمرار الدور الرقابي الحثيث، الذي تمارسه مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما'' عن كثب على أنشطة وأعمال المصارف، أسهم بشكل كبير في تجنيب القطاع المصرفي من الوقوع في أزمات وانهيارات مالية، ولا سيما أن منهجية الرقابة، التي تمارسها ''ساما''، والتي تعتمد على أساس تقييم دقيق للمخاطر، بدأت في تطبيقها في عام 2005، عززت من مستويات كفاية رؤوس أموال المصارف العاملة في المملكة ومن مراكزها المالية، بالشكل الذي مكَّنها من التعامل مع تبعات الأزمات المالية العالمية المختلفة بجدارة واقتدار.
جدير بالذكر، أن البنوك العاملة في السعودية، قد بدأت في تطبيق اتفاقية كفاية رأس المال في عام 1988، على أساس المقياس العالمي؛ مما مكَّنها من الاستمرار في ممارسة أعمالها وأنشطتها المصرفية، رغم الأزمات المالية والسياسية العديدة، التي تعرضت إليها منطقة الشرق الأوسط على وجه العموم، ومنطقة الخليج العربي على وجه الخصوص خلال العقود الثلاثة الماضية، الأمر يؤكد عليه أنه خلال الفترة 1995- 2009، تمكنت البنوك السعودية من المحافظة على مستويات عالية من كفاية رأس المال بمتوسط، بلغت نسبتها نحو 19.25 في المائة، في حين أن الحد الأدنى المطلوب من قبل لجنة ''بازل'' الدولية هو 8 في المائة، كما قد اتخذت ''ساما'' خطوات حثيثة منذ الإعلان عن تطبيق معيار ''بازل2'' في عام 2004؛ بهدف ضمان التنفيذ المبكر لها في البنوك السعودية، حيث قد تمكنت جميع المصارف العاملة في المملكة، من التوافق تماما مع متطلبات ''بازل2'' في مطلع عام 2008، وبالذات فيما يتعلق بتطبيق الدعامة الأولى المتعلقة بمخاطر الائتمان ومخاطر السوق والمخاطر التشغيلية.
ضمن اهتمامات ''ساما'' وحرصها على استمرارية متانة المراكز المالية، التي تتمتع بها البنوك السعودية، فقد حرصت على تشجيع المصارف خلال السنوات الماضية وحتى قبل تفجر الأزمة المالية العالمية، بالقيام بإجراء اختبارات الجهد أو الضغط ، كأداة مكملة للممارسات إدارة المخاطر بأنواعها (المالية والتشغيلية والائتمانية والإدارية)، حيث على سبيل المثال في عام 2005، طلبت ''ساما'' من المصارف القيام بإجراء اختبار الضغط، من خلال تحديد الآثار السلبية للسيناريوهات الاقتصادية المتنوعة حول تعرضها للمخاطر الائتمانية وكفاية رأس المال الكلي، ثم أصدرت بعد ذلك وثيقة التعليمات الثانية الأكثر تفصيلا حول معيار ''بازل2'' في كانون الثاني (يناير) 2006، التي تضمنت تعليمات إضافية حول متطلبات اختبار الضغط، وفقا للدعامة الأولى والدعامة الثانية وأغراض إدارة المخاطر الداخلية، ذات الصلة بهيكل القيود ومخاطر السوق وتخطيط رأس المال، وغير ذلك من المخاطر.
خلاصة القول، إن المصارف العاملة في السعودية، منذ وقت بعيد، وهي تخضع لمختلف أنواع اختبارات الجهد أو ما يعرف باختبارات الضغط المصرفي؛ بهدف التأكد من سلامة مراكزها المالية ومن كفاية رؤوس أموالها، بما في ذلك من قدرتها على التعامل مع الأزمات المالية العالمية المختلفة.
من بين اختبارات الجهد المالي والمصرفي العديدة، التي تعرضت إليها البنوك السعودية خلال الفترة الماضية، وتمكنت من اجتيازها بجدارة واقتدار، توافقها مع متطلبات ''بازل1 و بازل2''، بما في ذلك توافقها مع متطلبات ''بازل3''، رغم أن المطالبة بالتوافق معها عالميا سيكون بحلول عام 2015.
إن توافق المصارف مع متطلبات ''بازل1، وبازل2، وبازل3''، بما في ذلك مع متطلبات كفاية رأس المال وإدارة المخاطر، يؤكد قدرتها على تجاوز اختبارات الجهد والضغط المصرفية المختلفة، كما أن تجاوزها تبعات وتداعيات الأزمة المالية العالمية، بأقل التكاليف والخسائر الممكنة، لدليل قاطع وخير شاهد، على متانة مراكزها المالية، وقوة السيولة التي تتمتع بها، الأمر الذي مكنها من الاستمرار في ممارسة أعمالها وأنشطتها المصرفية المختلفة، تحت مختلف الظروف المالية الصعبة، التي تعرضت لها أسواق المال على مستوى العالم، والله من وراء القصد.