الشركات الطبية والتسويق بالتخويف
من الخطورة بمكان أن تعمد بعض شركات الأدوية وشركات المستلزمات الطبية إلى سوق إحصاءات غير موثقة عن ارتفاع نسبة الإصابة بمرض من الأمراض من أجل التسويق لمنتجاتها، والأخطر من هذا حينما تمرر هذه الإحصاءات إلى أطباء ليقوموا بنشرها عبر مقالاتهم، أو عبر ما يشاركون فيه من ندوات وبرامج لتكتسب هذه الإحصاءات مزيداً من المصداقية.
مَن يتابع ما تنشره الصحف المحلية وبعض القنوات الفضائية، يلاحظ أن هناك هجمة إحصائية على مجتمعنا، لا نشهد لها مثيلا في الدول الأخرى، فلا يكاد يومٌ يمضي دون أن نقرأ أو نسمع عن إحصاءات تتحدث عن نسبة المواطنين المصابين بمرض من الأمراض، أو عن مدى انتشار عادة سيئة من العادات، دون أن نرى توثيقاً لهذه الإحصاءات، أو مساءلة من الجهات المعنية لمَن يقف خلف هذه الإحصاءات، وعلى أي أساس علمي أُجريت.
وغالبا ما نجد هذه الإحصاءات التي تبالغ في نسب المصابين بمرض من الأمراض ترتبط بشركات تسوّق منتجاً طبياً، سواء كان علاجاً، أو جهازاً طبياً، أو حتى عشباً من الأعشاب.
ما يمارس من تسويق للمنتجات الطبية عبر سوق الإحصاءات التي ترفع نسبة الإصابة بالأمراض يمكن أن نطلق عليه مصطلح ''التسويق بالتخويف''، فالمواطن الذي يقرأ عن ارتفاع نسبة الإصابة بمرض ما ثم تربط الإحصائية بمنتج وإنه السبيل لتفادي هذا الوضع الصحي الخطير سيندفع لشراء ذلك الدواء أو ذلك الجهاز الطبي مهما بلغ ثمنه.
والملاحظ أن شركات الأدوية والمستلزمات الطبية انتقلت من مرحلة الإعلان عن منتجاتها عبر إعلان واضح الأهداف إلى مرحلة متقدمة، بحيث أصبحت تنشر إعلاناتها في الصفحات والبرامج الطبية المخصصة لتوعية المواطنين، والبعض منها انتقل إلى مرحلة أكثر جرأة، وتتمثل في تمرير الإعلان إلى طبيب يشرف على صفحة طبية، فينشر الإعلان على شكل مقال أو دراسة تبدأ بالحديث عن ارتفاع نسبة السعوديين المصابين بالمرض أو المهددين بالإصابة به، ثم يسوق الحل عبر الحديث عن جهاز أو علاج يذكره بالاسم ويعدّد فوائده وينشر صوره، بل قد ينتقل إلى ما هو أكثر جرأة من ذلك، وهو مطالبة شركات التأمين والجهات الصحية بتوفيره من أجل تقليل مضاعفات المرض.
ولعل من أسباب لجوء الشركات إلى هذه الطرق انخفاض مصداقية كثير منها، إضافة إلى أن تكلفة الإعلان بهذه الطريقة أقل من تكلفة الإعلانات المباشرة.
وهذا الوضع يستوجب التدخل من الجهات المعنية، خاصة وزارة الصحة وهيئة الغذاء والدواء لتعزيز الضوابط الأخلاقية والقانونية لترويج الأدوية والمستلزمات الطبية، بحيث يُمنع النشر بطريقة تخدع القارئ أو المشاهد، كما يُمنع نشر إحصاءات تتعلق بالوضع الصحي في البلد، دون أن تعتمد على أساس علمي واضح.