العراق .. فرصة تاريخية لحلول أخلاقية!
بعد تأمل المشهد العراقي بهدوء.. المشهد الذي تختلط فيه أشياء كثيرة تكاد ملامحها تغيب ولا تسمع إلا أصوات الفرقاء.. من هذا المشهد يأتي السؤال:
ماذا نريد من العراق؟
ماذا يريد الملك عبد الله من العراق؟..
بالتأكيد كل ما نريده أن نرى هذا البلد يخرج من دائرة العنف المفرغة التي يدور فيها منذ سنوات بعيدة، فالذي كان الضحية أصبح هو الجلاد، هكذا يستمر التاريخ الدموي.
هذا ما نريده، نريد أن يخرج العراق من حالة القتل والسحل التي لازمته منذ عقود.
نريده أن يخرج إلى حيث تتسابق الدول إلى الاستثمار المنظم للموارد، إلى البناء وتكريس حياة الاستقرار وإنهاء (رحلة التشرد) التي أصابت شعبا كاملا!
دعوة الملك عبد الله للعراقيين إلى كلمة سواء، إلى جمع الشمل هي (فرصة تاريخية) للقادة العراقيين، لأن يضعوا مصلحة بلادهم فوق المصالح والطوائف والعشائر وأنانية الأفراد واستقطاب القوى الإقليمية والدولية، هي فرصة تاريخية لأن يقدروا العواقب التي لن يسلم منها أحد في العراق، والتاريخ يعيد نفسه إذا عميت البصيرة وتوارت الحكمة وقل الاعتبار، (والعراق أرض العبر)، هنا يعيد التاريخ نفسه، وصدام حسين لأنه كان مسكونا بهوس الانتقام والدم انتهى إلى الحفرة ثم إلى المشنقة وطابور الرفاق في محطته الأخيرة، وصدام وصلت إليه دعوات الحكمة وتقدير العواقب قبل أن يتورط في أزماته، لكنه أبى واستكبر وسلم نفسه وأهله وبلده للخراب!
الذي يكون في سدة الحكم والمسؤولية عليه أن يتعلم من الدروس القريبة والبعيدة، ودروس العراق ليست بعيدة عن الجيل الحالي من القادة في العراق، فأغلبهم يعرف تفاصيل تاريخ العراق السياسي الحديث، وهو تاريخ - مع الأسف - ليس فيه ما يشير إلى نمو الوعي السياسي الذي يضع مصلحة العراق فوق كل اعتبار، وحالة الدمار التي يعيشها العراق هي ثمار العنف المتلاحق الذي يبني ثم يدمر، والقادة في العراق إذا استسلموا لأطماعهم وبحثهم عن (خمرة الحكم) ستكون مكاسبهم وقتية، ولكل أجل كتاب.
استجابة أغلب أطراف التيارات والأحزاب السياسية في العراق أمس للمبادرة مؤشر إيجابي، فالأغلبية مع مبادرة خادم الحرمين الشريفين، لأنها تعرف أن الملك عبد الله زعيم لا تصدر مواقفه إلاّ من نيّات صادقة مخلصة، فالعراق وما يجري فيه مصدر ألم له ولكل سعودي، فتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا لا يمكن أن نفكر فيه أو نتصوره دون أن يكون العراق أحد مكوناته.
إن القادة العراقيين أمام مسؤولية إنسانية تجاه شعبهم، وأمامهم فرصة تاريخية، لكي يقفوا بصدق مع النفس، ومَن لا يكون مستعدا للتضحية عليه أن يكون مستعداً لعواقب شهوة الاستئثار، فالمشكلة العراقية بحاجة إلى حلول أخلاقية وإنسانية، وليس لحلول سياسية، والصراعات التي تقوم على المذهبية الطائفية والأنانية السياسية لا تحل بأدوات السياسة ونظرياتها.. الحلول تبدأ من القلب، وهذا ما يفعله عبد الله بن عبد العزيز فقد دعا إلى التسامي عن الجراح.. عن الألم!