هل يعود مجلس القوى العاملة؟
مع البطالة النوعية القادمة، أي مع عودة الخريجين والخريجات الذين يدرسون في الخارج، سنكون إزاء مشكلة حقيقية في سوق العمل، ففي السنوات السابقة كانت فرص النفاذ للوظائف متاحة في عدد من القطاعات حيث تم استيعاب شريحة من الباحثين عن العمل في التعليم الثانوي وما دونه، أما الآن فالأوضاع تأخذ منحى أكثر تعقيدا مع تراجع فرض آلية السعودة والتلاعب بها وإتاحة نظام الاستثمار الأجنبي الفرصة للعمالة الأجنبية لاقتناص الفرص المتاحة في سوق العمل، بالذات في قطاع الخدمات.
تطور الأوضاع إلى مرحلة تستدعي القلق ربما يدعو إلى أهمية عودة (مجلس القوى العاملة) فالوضع يحتاج إلى جهاز مستقل عن الضغوط اليومية ومتفرغ للبحث والدراسة والتفكير بهدوء ثم اتخاذ القرارات التي تخدم المصلحة العليا للبلد، فوزارة العمل لم تعد قادرة على القيام بهذا الدور وربما تتحمل فوق طاقتها إذا طالبنا بالتصدي لمثل هذه القضية، فتوسيع سوق العمل لا يتحقق بآلية واحدة مطبقة وهي (نسبة السعودة) في المنشآت، فهذه آلية ثبت أنها غير كافية وسهل التلاعب فيها، المشكلة في الاقتصاد الكلي وعدم قدرته على توليد الوظائف.
عندما كان مجلس القوى العاملة قبل عشرين عاما متفرغا للنظر في أوضاع العمل، استطاع أن يضع قضية العمل في ميزان المصلحة العليا للوطن، وكان لواقعية وحكمة وحزم سمو الأمير نايف في ملف العمل الوطني عديد من الإيجابيات، وأعتقد أن القرارات التي اتخذها المجلس وكذلك لقاءات الحوار والمصارحة والمكاشفة، التي كان يقودها الأمير نايف مع قطاع الأعمال كان لها الكثير من الإيجابيات، فقد أسست لقناعة وطنية بأهمية قضايا التوظيف. وفي تلك الفترة كان تداول الرأي بين الدولة وقطاع الأعمال يقدم (حالة دراسية) لتطور ذهنية الطرفين ومدى وعي كل من مؤسسة الحكم وقطاع الأعمال بضرورة (التنازل الإيجابي) الذي يحفظ للوطن استقراره واستمراره.
لقد كان هناك كثير من الإيجابيات التي ترتبت على برنامج التوطين، وشهدنا دخول السعوديين بقوة لمنشآت القطاع الخاص، والآن الساحة مفتوحة لمشروع وطني كبير وهو إعادة السعوديين إلى (تجارة التجزئة)، فهذا القطاع الثري بفرص العمل لن يساهم في حل مشكلة البطالة على المدى البعيد، بل سيعيد الجيل الجديد من السعوديين إلى التجارة عبر المشروعات الصغيرة، وترتيب أوضاع تجارة التجزئة أيضا مهمة أكبر من وزارة الصناعة والتجارة، إنها تحتاج إلى مجلس وطني.. فهل يعود مجلس القوى العاملة؟
أعرف أن هناك من لديهم تحفظ على إنشاء الهيئات والمجالس فهذا يصب في توسيع الجهاز الحكومي .. وهم محقون في هذا، لكن عندما يكون البلد إزاء مشكلة هيكلية رئيسية مثل قضية البطالة، وعندما تصبح الأجهزة التنفيذية غير قادرة على القيام بدورها، هنا لا بد من جهاز اعتباري يلملم الأمور ويعيد تعريف المشكلة ويضعنا على الطريق الصحيح لحلها، وفي سياق هذا المبدأ، أي مبدأ إصلاح وتطوير الجهاز الحكومي، لا بد من إنشاء مجلس، وحل أخرى ربما لا تحتاج إليها الظروف القائمة.