الاختصاص القضائي في المنازعات الضريبية

اختلفت الآراء الفقهية واتجاهات القوانين المقارنة حيال كيفية تحديد القضاء المختص في النظر والفصل في المنازعات الضريبية التي تنشأ بين المكلف بأداء الضريبة والجهة الحكومية المختصة بشؤون الضرائب، فبعض القوانين أسندت إلى القضاء العادي ولاية الفصل في المنازعات الضريبية أخذاً بالرأي القائل إن القضاء العادي يوفر ضمانات للمكلفين بأداء الضريبة لا يوفرها لهم القضاء الإداري الذي يميل عادة إلى الدفاع عن مصالح خزانة الدولة، بينما أسندت بعض القوانين الأخرى ولاية الفصل في المنازعات الضريبية إلى القضاء الإداري أخذاً بالرأي القائل إن الضريبة يتم تحديدها بموجب قرارات إدارية تتخذها الجهة الحكومية المختصة لتقدير وتحصيل الضريبة، وبالتالي فإن من الطبيعي أن يختص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات الضريبية. ويرى بعض فقهاء القانون أنه يجب أن تختص بالمنازعات الضريبية محاكم ضريبية مستقلة عن القضاء العادي والقضاء الإداري على أساس أن الطبيعة الفنية التي يتميز بها القانون الضريبي، التي تجعل له ذاتية مستقلة تستوجب أن يكون للمنازعات الضريبية قضاة متخصصون قادرون على تأصيل وتوحيد المبادئ القانونية المتعلقة بتفسير وتطبيق نصوص التشريع الضريبي الذي يقوم على قواعد تختلف عن تلك التي يقوم عليها القانون الخاص والقانون العام. وقد أخذت بعض القوانين بهذا الرأي وأنشأت محاكم متخصصة في المنازعات الضريبية.
وتوجب عديد من القوانين أن تبدأ المنازعة الضريبية بمرحلة التظلم الإداري قبل أن تصل إلى الجهة القضائية المختصة، أي يتعين على المكلف أن يقدم اعتراضاً إلى الجهة الإدارية المختصة بشؤون الضرائب فإذا رفضت الجهة الإدارية تظلم المكلف وأصرت على موقفها، جاز عندئذ إحالة النزاع إلى المحكمة أو الهيئة القضائية المختصة.
وأجاز نظام ضريبة الدخل السعودي السابق للمكلف الاعتراض على ربط الضريبة خلال مهلة لا تتجاوز 30 يوماً من تاريخ إخطاره بمقدار الضريبة التي ربطت عليه وأساس هذا الربط، فإذا لم تتقبل مصلحة الزكاة والدخل وجهة نظر المكلف أحالت اعتراضه إلى (لجنة الاعتراض الابتدائية) خلال مدة أقصاها 30 يوماً من تاريخ تسلم الاعتراض، ويكون قرار هذه اللجنة قابلاً للاستئناف أمام (لجنة الاعتراض الاستئنافية) خلال مدة 30 يوماً من تاريخ تسلم القرار، ويشترط لقبول النظر في استئناف المكلف أن يقوم بسداد الضريبة المستحقة عليه طبقاً لقرار لجنة الاعتراض الابتدائية إعمالاً لقاعدة (الدفع ثم المعارضة)، أي يتعين على المكلف أن يدفع أولاً الضريبة المقدرة ثم له بعد ذلك، إن كان ينازع في فرضها أساسا أو في مقدارها، أن يطعن مطالباً باسترداد ما دفعه، والهدف من هذه القاعدة هو حماية حقوق الخزانة العامة من المماطلة والتأخير في سداد الضرائب.
ويعد قرار اللجنة الاستئنافية نهائياً وواجب التنفيذ بعد مصادقة وزير المالية عليه، ثم جاء نظام ضريبة الدخل السعودي الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/1) وتاريخ 15/1/1425هـ، وأدخل تطويراً نوعياً في قواعد وإجراءات الاعتراض حيث قررت المادة السادسة والستون من النظام ما يلي:
أ‌- يجوز للمكلف الاعتراض على ربط المصلحة خلال 60 يوماً من تسلم خطاب الربط، ويصبح الربط نهائياً والضريبة واجبة السداد إذا وافق المكلف على الربط أو لم يعترض عليه خلال المدة المذكورة.
ب‌- لا يعد الاعتراض مقبولاً ما لم يسدد المكلف المستحق عن البنود غير المعترض عليها أثناء الفترة المحددة للاعتراض، أو ما لم يحصل على الموافقة على تقسيط الضريبة بمقتضى المادة الحادية والسبعين من هذا النظام.
ج‌- تصبح الضريبة واجبة السداد وفقاً لقرار لجنة الاعتراض الابتدائية، وتعد نهائية ما لم يستأنف المكلف أو المصلحة هذا القرار خلال 60 يوماً من تاريخ تسلمها.
د‌- يجوز للمصلحة وللمكلف استئناف قرار لجنة الاعتراض الابتدائية أمام اللجنة الاستئنافية خلال 60 يوماً من تاريخ تسلم القرار.
هـ- على المكلف الذي يريد استئناف قرار لجنة الاعتراض الابتدائية التقدم بطلب الاستئناف خلال المدة المحددة، وتسديد الضريبة المستحقة وفقاً للقرار المذكور، أو تقديم ضمان بنكي مقبول بالمبلغ.
و‌- يصبح قرار لجنة الاستئناف نهائياً وملزماً ما لم يتم استئنافه أمام ديوان المظالم خلال ستين يوماً من تاريخ إبلاغ القرار.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه على الرغم من أن اللجان الابتدائية والاستئنافية قد أنشأها نظام ضريبة الدخل، إلا أن اختصاصاتها في الواقع لا تنحصر في النظر في اعتراضات المكلفين بأداء الضرائب وهم الأجانب أفراداً وشركات، وإنما تختص أيضا بالنظر في الاعتراضات المقدمة من السعوديين بخصوص كيفية تقدير مصلحة الزكاة والدخل للزكاة المفروضة شرعاً على أنشطتهم الاقتصادية.
وطبقاً للفقرة (أ) من المادة السابعة والستين من النظام يتم تشكيل لجان الاعتراض الابتدائية المختصة بالفصل في الخلافات الضريبية بقرار من وزير المالية، وقررت الفقرة (ب) من المادة المذكورة آنفاً أن يصدر بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح من الوزير بتشكيل لجنة استئنافية للنظر في قرارات لجان الاعتراض الابتدائية الضريبية المستأنفة من قبل المكلف أو المصلحة.
ونصت الفقرة (ج) من المادة المذكورة على أن تحدد اللائحة صلاحيات واختصاصات وإجراءات عمل اللجان الابتدائية والاستئنافية. والخبرات العلمية والعملية لأعضائها ومكافآتهم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه طبقاً لما استقر عليه قضاء ديوان المظالم بشأن درجات الفصل في الاعتراضات على أحكام هيئات التحكيم واللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي فإن ديوان المظالم سينظر في الاعتراضات على قرارات اللجنة الضريبية الاستئنافية حسب درجات التقاضي لدى الديوان ابتدائياً واستئنافياً ونقضاً، التي نص عليها نظام الديوان الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/78 وتاريخ 19/9/1428هـ.
ومما تقدم يتضح أن نظام ضريبة الدخل السعودي الجديد جمع، على غرار بعض القوانين المقارنة، بين المرحلتين الإدارية والقضائية للفصل في المنازعات الضريبية.
ولا شك أن تشكيل اللجنة الاستئنافية بقرار من مجلس الوزراء وليس بقرار من وزير المالية، كما كان الأمر في النظام السابق، أعطى هذه اللجنة قدراً كبيراً من الاستقلالية كما أن قابلية قرارات هذه اللجنة للطعن أمام القضاء الإداري (ديوان المظالم) ضمنت وجود رقابة قضائية على قرارات اللجان الضريبية للتأكد من مشروعيتها واتفاقها مع صحيح أحكام القانون.
وجدير بالذكر أنه ظهر اتجاه حديث في بعض التشريعات الضريبية يوجب وقف إجراءات تنفيذ القرارات الضريبية إلى أن يفصل نهائياً في المنازعة، وهو اتجاه أراه أدنى إلى العدل لأنه ييسر إجراءات الفصل في المنازعات الضريبية ولا يرهق المكلفين من أمرهم عسراً، ولذلك فإنني أقترح ألا تطبق قاعدة (الدفع ثم المعارضة) كشرط لقبول استئناف القرار المعترض عليه وأتمنى أن يأخذ المشرع السعودي بهذا الاقتراح ويعدل بموجبه أحكام النظام المتعلقة بهذا الشأن.
تبقى مسألة أخيرة أود الإشارة إليها، وهي أن تقوم وزارة المالية بطبع ونشر قرارات اللجنة الاستئنافية أسوة بما فعلته بعض اللجان ذات الاختصاص القضائي، مثل لجنة تسوية المنازعات المصرية، واللجنة القانونية في وزارة التجارة المختصة بالفصل في الاعتراضات على قرارات مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية، حيث طبعت ونشرت مجموعة من القرارات التي أصدرتها وفق تصنيف معين يسّر لرجال القانون والباحثين والمتقاضين الاطلاع على المبادئ القانونية التي أرستها هذه القرارات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي