لمَنْ أوسط أبواب الجنة؟!

فطر الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ الوالدين على حب الأبناء والعطف عليهم والإحسان إليهم، وبذل الغالي والنفيس من أجل رعايتهم والوقوف بجانبهم قلبا وقالبا، يوما بيوم وليلة بعد ليلة حتى يكبروا ويترعرعوا؛ ويظهر ذلك الحب وهذه الرعاية على الأبناء على وجوههم وفي أبدانهم وكل ذلك يبذله الآباء والأمهات دون تكليف من أحد أو إكراه من أي إنسان؛ لأنهم جبلوا على ذلك وفطروا عليه، فلم يوصهم الله ـــ عز وجل ـــ بالإحسان إلى الأبناء لكن فقط جاء التحذير لهم من قتل الأبناء خشية الفقر أو المسبة والعار بالنسبة إلى إنجاب البنات قديما كما جاء في محكم التنزيل: "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا".
وقال تعالى: "وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت".
وعلى الجانب الآخر، نجد أن الله تعالى أوصى الأبناء ببر الوالدين والإحسان إليهما وجاء ذلك بعد التأكيد على عبادة الله وحده وعدم الإشراك به، قال تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا".
وجاءت التوصية من الله ـــ عز وجل ـــ لأنه أعلم بخلقه، فالأبناء ربما ينسون حق الوالدين أو يتهاونون في رعايتهم وخدمتهم، إما نسيانا وسهوا وإما جحودا وعمدا، وفي كلتا الحالتين عملهم هذا غير مبرر، لأن الله تعالى أوصى الأبناء بالوالدين حتى لو كانا كافرين أو على غير دين الإسلام، قال تعالى: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا".
فما جاء في الآية السابقة يعبر أحسن تعبير عن الإحسان إلى الوالدين، لذلك كان لزاما على كل ابن أو بنت أن يرفق بوالديه وأن يرعاهما رعاية حسنة وأن يقف بجانبهما ليوفيهما بعضا من حقهما عليه حتى يلقى الله وهو راض عنه؛ لأن رضا الله من رضا الوالدين، جاء في الحديث: "والوالد أوسط أبواب الجنة".
‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال: ‏جاء ‏ ‏رجل ‏ ‏إلى رسول الله ‏ـــ ‏صلى الله عليه وسلم ـــ‏ ‏فقال يا رسول الله ‏ ‏من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أمك قال ثم من قال ثم أبوك". وفي حديث آخر، عن أبي هريرة ـــ رضي الله عنه ـــ عن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: " رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف رجل أدرك والديه أحدهما أو كلاهما عند الكبر ولم يدخل الجنة".
فمن الأحاديث آنفة الذكر يتبين حرص الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ على الإحسان إلى الوالدين وبرهما لمن أراد السعادة في الدنيا والنجاة من النار في الآخرة.
فقد ورد في الأثر أن رجلا في زمن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ـــ عندما أشرف على الموت أراد من حوله أن يلقنوه الشهادة فلم يستطع النطق بها فأخبروا النبي بذلك فقال: "أله أم؟ قالوا: نعم، وعندما سأل عن حاله معها أخبر بأنه كان عاقا لها، فأمر النبي بجمع الحطب حتى يحرقه فلما علمت أمه عفت عنه فنطق بالشهادة قبل أن يموت. والشواهد في هذا الباب كثيرة.
وصدق أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:
وإذا رحمت فأنت أم أو أب ***هذان في الدنيا هما الرحماء
ومهما تكلمنا في هذا الموضوع فلن نوفيه حقه ولكن حسبنا أن نلمس بعض جوانبه المضيئة فكم من سعيد لأن أباه أو أمه أو كليهما راضيان عنه. وكم من شقي أو تعيس لأن أباه أو أمه أو كليهما ساخطان عليه. فرضاهما من رضا الرحمن، واللبيب لا يفرط في حقهما، فمهما عمل من أجلهما فلن يجزيهما أجر ما قدماه له في حياته. في كتاب الأدب المفرد للإمام البخاري، أن رجلا حمل أمه العجوز على كتفيه، وقال: " يا ابن عمر تراني وفيتها ؟" ـــ أي وفيتها حقها لأنني أحملها في هذا الموقف الصعب ـــ" فقال له ابن عمر لا ولا بظفرة". فالأم التي حملت وولدت وأرضعت وسهرت ولم تنتظر لهذا الجهد ثوابا أو مقابلا، والأب الذي تعب وعمل وكد وبذل جهده ووقته وكل ما يملك من أجل إسعاد أبنائه من غير أن يريد جزاء ولا شكورا، فالله هو الذي يكافئ الوالدين على ما قدماه فهو ذو الفضل العظيم.
وأخيرا، أهمس في أذن كل ابن عاق لوالديه أن يسرع ولا يفوت الفرصة وأن يتوب ويعود إلى والديه بكل رفق ومحبة حتى لا يندم في ساعة لا ينفع فيها الندم، وحتى يلقى الوالدان ربهما وهما راضيان عنه كي ينال رضا الله ولا يحرم نفسه جنة ربه.
وأدعو الله للجميع: الوالدين والأبناء، بالتوفيق والسداد والطمأنينة وأسأله أن يملأ بيوتنا أمنا وأمانا وسعادة وحبورا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي