كشف حساب الأداء السنوي للأجهزة الحكومية

تُلزم المادة (29) من نظام مجلس الوزراء (1414هـ) الوزارات والأجهزة الحكومية؛ ''أن ترفع إلى رئيس مجلس الوزراء خلال 90 يوما من بداية كل سنة مالية تقريرا عما حققته من إنجازات مقارنة بما ورد في الخطة العامة للتنمية خلال السنة المالية المنقضية، وما واجهها من صعوبات وما تراه من مقترحات لحسن سير العمل فيها''. ومن جهة أخرى؛ يختص مجلس الشورى بمناقشة هذه التقارير ويبدي ما يراه حيالها وفق المادة (15/د) من نظام المجلس. هذا هو الإطار القانوني لالتزام الجهات الحكومية برفع تقارير سنوية، دعونا نسميها مجازا ''كشف حساب الأداء السنوي''.
يفترض في كشف الحساب هذا أن يعكس بواقعية وشفافية مطلقة أعمال كل جهة حكومية خلال سنة مالية كاملة، بعيدا عن المعنى الحرفي للإنجازات؛ ففي تقديري أن معنى الإنجازات هو مدى قيام الأجهزة الحكومية بمهامها على نحو ما ترسمه الأنظمة والقواعد التي تنظم اختصاصاتها. وفي المقابل؛ لا بد أن هناك ما يعترض سير الأداء في جانب أو أكثر، ومن ثم يلزم توضيح ذلك لصاحب القرار بذات الشفافية والواقعية مشفوعة بالمقترحات. إذن المطلوب ليس رسم صورة وردية تمتزج فيها الحقائق بالرغبات والتطلعات؛ إنما المطلوب قراءة محايدة تقيّم الأداء وتتطلع إلى التطوير.
ربما يكون من الصعوبة على الجهات الحكومية، وهي تقيّم أداءها، رؤية تفاصيل الواقع كافة؛ لذا فإن التقييم من خارج ''الصندوق'' يضفي واقعية ومصداقية لمن يتطلع للبحث عن الجوانب التي ينبغي تحسين الأداء فيها. على سبيل المثال، لا يمكن لوزارة الصحة أن تقيم خدماتها الصحية دون وجود استطلاع لرأي المستفيدين من الخدمات الصحية. كما لا يمكن لوزارة الزراعة أن تورد إنجازاتها بعيدا عن رأي المزارعين في خدماتها، كما لا تعكس نسبة الناجحين في الثانوية العامة جودة أو ضعف مناهج التعليم العام، ومدى الرضا عما يقدم من خدمات تعليمية، وهكذا.
أن ننتقل بطالب الخدمة من صفة ''المراجع'' إلى معنى ''العميل'' يتطلب شراكة حقيقية بين هذا العميل وهذه المؤسسة الحكومية التي تقدم الخدمة. طالبو الخدمة هم شهود الإثبات على الإنجاز وهم شهود النفي على عدم تحققه. أرقام معاملات الصادر والوارد ليست دليلا على أي إنجاز، ولا تعكس الرسوم البيانية في تقارير الأداء السنوي، في حالات كثيرة، ما تخفيه الأرقام من إخفاقات.
غياب المواطن عن تقييم أداء المؤسسات الحكومية بشكل منظم ودوري وإدراج رأيه في تقارير الأداء السنوي؛ ولد انطباعات يشوبها حالة من سوء الفهم أو المبالغة في تصوير الحقيقة سلبا أو إيجابا. ولم يعد النجاح مرهونا بالحقائق؛ وإنما بانطباعات شخصية لا تلبث أن تتحول في الأذهان إلى حقائق لا تقبل الجدل، وأصبح الانتقاد أو المديح يوجه للأشخاص وليس للأداء. وربما نخسر في ظل هذا الواقع كفاءات تعمل بصمت، ونبقي على من هم دون ذلك.
لم تسلم تقارير الأداء السنوي من مخالب البيروقراطية؛ فهي تدور دورة ''المعاملات''، وهو ما يفسر أن مجلس الشورى يناقش تقارير سنوية مضى عليها أكثر من سنة مالية. مثال ذلك، أن المجلس يناقش حاليا الملحوظات على التقريرين السنويين لوزارة التجارة والصناعة للعامين الماليين 1428/1427، 1429/1428. النقاش يضفي صبغة قانونية، لكن أي ملحوظات ستكون مفيدة على تقرير مضى عليه أكثر من سنتين ماليتين، أي يفترض أن هناك تقريرين للأداء تم إعدادهما بعد هذا التقرير!
إن نجاح خطط التنمية مرهون بتحسن الأداء الحكومي؛ لذا فإن قرار مجلس الوزراء (4/7 /1430)، بشأن إنشاء ''مركز قياس الأداء للأجهزة الحكومية''، في معهد الإدارة العامة في مرحلته الأولى ليستقل فيما بعد ويرتبط برئيس مجلس الوزراء، يعد خطوة مهمة في هذا الاتجاه، ولعل المركز يبادر إلى مراجعة قواعد وآليات إعداد التقارير السنوية للأجهزة الحكومية لكي تحقق الهدف المنشود منها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي