القمم العربية .. وغياب الاهتمام الشعبي العربي
لم يعد المواطن العربي يهتم كثيراً بما يُعقد من قمم عربية، أو ما يجري خلالها من نقاشات، فقد ولى الزمن الذي كان فيه المواطن العربي يتسمر إلى جانب المذياع، أو جهاز التلفاز ليستمع إلى خطب الزعماء، وما يتخذونه من قرارات، فالمواطن العربي الآن أصبح يضع يده على قلبه كلما تداعى العرب إلى قمة، بعد أن أصبح يرى في القمم العربية باباً يراد منه أنه يكون وسيلة لدخول دول إقليمية إلى قضايا العرب لتكون غطاء سياسيا لبعض القيادات العربية، أو لجعل قضايا العرب ورقة ضغط في يد تلك القوى، ولهذا فهو يتحسس ويتوجس من كل قمة تعقد، خاصة وهو يرى أن زعامات تلك الدول الإقليمية أدخلت إلى القمم العربية بصفة مراقب، ثم أصبحت المتحكمة ببعض المواقف العربية، وأصبح ما تلقيه من كلمات كان من المفترض ألا تتجاوز حدود الضيافة، برنامجاً تسير عليه دول عربية، وتحاول فرض واقع يقول إن تلك الدول الإقليمية يجب أن يكون لها اليد الطولى في كل ما هو عربي، حتى لو كان ذلك على حساب المصالح العربية، وعلى حساب الأمن القومي العربي.
المواطن الذي كان ينتشي وهو يسمع ما يطرح أثناء القمم العربية من آراء وقرارات، حتى وإن كان يدرك أن الواقع العربي يمنع تطبيقها، يتألم الآن وهو يرى ذلك التمييع الواضح لقضايا عربية حساسة تتعلق بأمن ومستقبل ووحدة دول العالم العربي.
في زمن سابق وأيام الانقلابات التي عصفت بعديد من الدول العربية، كان الانقلابيون يرفعون شعارات الوحدة العربية، وكانت الدول التي لا تسير في ركب الدول الثورية توصف بالرجعية والتأخر ومعاداة الوحدة العربية، وبعد عقود من الشعارات اتضح أن الثوريين العرب هم الأخطر على الأمة العربية ووحدتها، وأن الوحدة العربية الماثلة للعيان هي ما حققته دولٌ بعيدة عن الشعارات.
في قمة سرت الأخيرة تبين للجميع أن ما يُطرح تحت مسمى تطوير منظومة العمل العربي المشترك يراد منه أن تسير الأمة العربية باتجاه لا يخدم مصالحها، بل يصب في مصالح دول إقليمية، وكان الموقف الحاسم والرافض من المملكة وبعض الدول العربية تجاه ما جرى في القمة دليلا على إدراك خطورة ما يجري في الخفاء، وما تسعى بعض الدول إلى تمريره عبر قمم عربية تعقد على عجل.
ولهذا كان سمو الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية حاسماً حينما قال: "في تقديرنا فإن الخوض في موضوع يتناول ترتيب علاقات النظام العربي الذي مازلنا بصدد ترميمه وإصلاحه مع جوار جغرافي قد لا نكون مهيئين للتعامل معه، هذا الأمر يستوجب التهيئة له جيداً في إطار البيت العربي أولاً". وقوله: "بناءً عليه فإن بلادي ترى أن من المصلحة التركيز مرحلياً على سبل النهوض والارتقاء بالعمل العربي ليكون بالفعل والممارسة عملاً مشتركاً وفاعلاً ومؤثراً في الصعيدين العربي والدولي " ، مشيرا إلى أن غياب الدور العربي الفاعل والمؤثر قد خلق فراغا استراتيجيا يتم استغلاله من قبل العديد من الدول المجاورة.
إن مشكلة عالمنا العربي تنبع من أن من ينادون الآن بإصلاح وضع الجامعة العربية، هم الذين عرقلوا عملها من خلال التردد في تنفيذ ما صدر من قرارات عربية، ومن خلال امتناعهم عن الوفاء بالتزاماتهم المالية تجاه الجامعة.
***