«فيفا» وتجربة التكنولوجيا في التحكيم
كرة القدم هذه الساحرة المجنونة التي أصابت المليارات بجنونها والتي سحرت القلوب والعقول وأعمت العيون، لها طعم خاص ولون خاص ونكهات كثيرة تجذب بها عشاقها، هي المعشوقة الوحيدة التي اتفق كل العشاق على حبها، رغم قسوتها ومقدرتها الفائقة على إحداث الحزن والفرح في القلوب في لحظة واحدة، فيمكن أن يكون الفريق مهزوما فيعم الحزن تلك الجماهير الصابرة، ويحرز الفريق هدف التعادل فتطير الجماهير من الفرح وتتطاير على أثرها عقول وعباءات وعمامات الجماهير. وهذه الرياضة التي أصبحت الأكثر انتشارا وشعبية في العالم، استطاعت أن تتخطى جميع حدود الجنس واللون والعقيدة، فاستطاعت أن تنفذ إلى أعمق عواطف الجماهير وأعجب بها الكبار والصغار من مختلف الأعمار، يجري عشقها في عروقهم مجرى الدم يمارسونها بمتعة خالصة، ويتابعون أخبارها بشغف، وهي أكثر ما تشرئب له أعناق الجماهير متطلعة لتحقيق أحلامها ومطامحها وآمالها في تحقيق الانتصارات، حتى أصبح فوز المنتخبات والأندية على خصومها يعتبر انتصارا للأوطان، وهي لعبة تجمع ما بين الممارسة وما تمثله من قيم التنافس والتضامن والكفاءات الفردية والجماعية من جهة، والفرجة بما تحققه من إثارة وتشويق في العرض من جهة أخرى.
#2#
وإن أردنا أن نستعرض بعضا من تاريخ هذه اللعبة نجد أن مختلف الحضارات في العصور القديمة عرفت أشكالا مشابهة للعبة كرة القدم الحالية، فمن أقدم الدلائل الوثائقية لكرة القدم آثار لملعب استخدم للعبة تتضمن ركل الكرات عثر عليه في (كيوتو) في اليابان، أما تلك التي وجدت في الصين فهي تعود للقرنين الثالث والثاني قبل الميلاد للعبة يلعبها أفراد الجيش الصيني تتضمن ركل الكرات وإدخالها في شبكة صغيرة، حيث مارسها الصينيون القدامى، وكانوا يقدمون الولائم للفريق الفائز ويجلدون الفريق المنهزم، وقد عرفها اليونانيون واليابانيون 600 سنة قبل الميلاد، وعرف الرومان القدماء لعبة تشبه كرة القدم، لكن النسخة القديمة تتضمن 27 لاعبا في كل فريق، وعرفها المصريون 300 سنة قبل الميلاد، كما أن بعض آثار الشعر الجاهلي تدل على أن العرب القدامى مارسوا أيضا هذه اللعبة.
من المستحيل أن يحدد المؤرخون متى بدأت لعبة كرة القدم بالضبط، لكن من المحتمل أن أول نوع من أنواع الألعاب التي تطورت منها اللعبة التي نعرفها اليوم ظهرت قبل ثلاثة آلاف سنة.
إلا أن اللعبة في شكلها المُمَارَس اليوم، ظهرت في إنجلترا. ففي عام 1016، وخلال احتفالهم بإجلاء الدنمركيين عن بلادهم، لعب الإنجليز الكرة فيما بينهم ببقايا جثت الدنمركيين، ولك أن تتخيل أقرب أعضاء الجسم شبها بالكرة وأسهلها على التدحرج بين الأرجل، فمنعت ممارستها وكانت هذه اللعبة تظهر وتنتشر، ثم تمنع بمراسيم ملكية لأسباب متعددة، ووصل الأمر إلى حد المعاقبة على ممارستها بالسجن لمدة أسبوع. بل إن الحضارات القديمة التي عرفت لعبة كرة القدم تمارسها بأنواع مختلفة من الأشكال الكروية المصنوعة من جلود الحيوانات أو غيرها، وفي عهد الفراعنة كانت كرة القدم تلعب بكرات من الحجر ما زالت نماذج منها محفوظة في المتاحف.
وكان للعرب دور كبير وبارز في كرة القدم العالمية، ففي عام 1882 كانت المؤسسة المكلفة بصنع كرات القدم الخاصة بمباريات نهائيات كأس العالم قد اختارت الصناع المغاربة لتركيب هذه الكرات، حيث يتم صنعها بأحد فروع الشركة في فاس وفق مواصفات محددة للكرة. وأصبح قانون اللعبة الآن يفرض ألا يتعدى أقصى حجم محيط دائرة الكرة 70 سنتيمترا، وألا يقل عن 68 سنتيمترا. وألا يتجاوز وزن الكرة 450 جراما، وألا يقل عن 410 جرامات، إضافة إلى مقاييس ومواصفات أخرى دقيقة تمكّن من التحكم في مرونة ومستوى استجابة الكرة وسرعتها، مثل أن يكون الضغط الجوي بين (0.6-1.1) ضغطا جويا، بما يوازي (600 - 1.100) جرام سم عن سطح البحر.
وهناك جزء مهم من تاريخ اللعبة يجب أن نذكره، وهو أنه تم في بريطانيا المولد الحقيقي لكرة القدم الحديثة متمثلة في إنجلترا واسكتلندا في القرن الثامن كانت لكرة القدم شعبية كبيرة في كل من إنجلترا واسكتلندا، لكنها في ذلك الوقت كانت لعبة حربية! يقال إن أول لعبة لكرة القدم أقيمت في شرق إنجلترا استخدم فيها رأس أمير دنماركي خسر في المعركة بدلا من الكرة! أما في القرون الوسطى فقد لعبت القرى المعادية كرة القدم التي سمح فيها بالركل والعض والضرب وحتى فقع العينين. هدف اللعبة كان إبقاء الكرة في بقعة معينة حددت قبل بدأ المباراة ويشارك في اللعبة مئات من الناس ومن الممكن أن تستمر طوال اليوم. لقد كانت اللعبة عنيفة لدرجة أنها منعت مرات عدة من قبل السلطات.
ففي إنجلترا أصدر الملك إدوارد الثالث قرارا يمنع لعب كرة القدم، بل إن الملكة إليزابيث الأولى أصدرت قانونا يقضي بسجن لاعب كرة القدم أسبوعا كاملا أو أن يطلب الغفران في الكنيسة حتى يسمح له. وفي اسكتلندا أصدر الملك جيمس والبرلمان قرارا مماثلا يقضي بمنع اللعبة، لكن أحدا لم يستطع القضاء على اللعبة في بريطانيا.
في عام 1815 أصدرت مدرسة إيتون الشهيرة مجموعة من القوانين تنظم كرة القدم، التي تبنتها فيما بعد معظم الجامعات والكليات عُرفت بقوانين كامبريدج. في عام 1848 كان هناك فريقان من الجامعات والأندية، أحد الفريقين يتبع قوانين كامبريدج والآخر يسمح بحمل الكرة والإعاقة وحتى ركل الخصم. في 26 تشرين الأول (أكتوبر) 1863، 11 مدرسة وناديا إنجليزي أرسلوا ممثلا لهم واجتمعوا ليوحدوا قوانين اللعبة، في هذا الاجتماع أنشيء اتحاد كرة القدم الإنجليزي في عام 1869 أضاف الاتحاد بندا للقوانين يمنع لمس الكرة باليد في تلك اللحظة بدأت كرة القدم التي نعرفها الآن.
في عام 1888، أرغم رئيس أستون فيلا ويليام ماكروجور 12 ناديا أن يلعبوا تبعا لجدول ثابت ذهابا وإيابا، وبذلك أنشيء الدوري الإنجليزي والأندية التي لعبت في أول دوري كانت: أكرينجتون، أستون فيلا، بلاكبورن روفرز، بولتون واندوررز، بورنلي، ديربي كاونتي، إيفرتون، نوتز كاونتي، بريستون نورث أند، ستوك سيتي، ويست برومويتش ألبيون وويلفيرهامبتون واندوررز. وأول مباراة أقيمت بالدوري كانت في الثامن من أيلول (سبتمبر) 1888. جاك جوردن الذي كان يلعب لبريستون نورث أند أحرز أول هدف في تاريخ الدوري الإنجليزي. وهنا لا بد من ذكر بعض التواريخ الخاصة:
ففي عام 1863 حدد طول الملعب بـ 180 مترا وعرض 90 مترا، وتدرجت بعد ذلك التعديلات إلى أن وصلت إلى المقاييس الحالية، وتلتها بعد ذلك التعديلات في خطي الالتماس وخط المرمى ووضع دائرة في نصف الملعب وتحديد خط الـ 18 ياردة، أما المرمى فكان في عام 1863 عبارة عن قائمين دون عارضة، المسافة بينهما سبعة أمتار ونصف المتر، وبعد ذلك توالت التغييرات في تحديد أبعاد المرمى ووضع عارضة.
وفي عام 1898 حددت المنطقة الركنية بنصف دائرة قطرها متر واحد، كما حددت في عام 1903 منطقة المرمى ومنطقة الجزاء ونقطة الجزاء وفي عام 1937 تم تحديد قوس خارج منقطة الجزاء.
أما فيما يخص الكرة التي يلعب بها، ففي عام 1871 كان محيط الكرة بين 68.5 سنتيمتر و71 سنتيمترا وكان وزنها 370 و425 جراما تم تعديل وزنها مرات عدة.
أما عدد اللاعبين فقد كان في عام 1853 دون تحديد عدد معين من اللاعبين، وفي عام 1863 تم تحديد 28 لاعبا لكل فريق وتوالت التعديلات إلى أن استقر الأمر على أن يكون عدد اللاعبين 11 لاعبا داخل الملعب واحتياطي خارج الملعب تتم التغييرات اللازمة منهم.
ويجب أن نذكر أنه قبل عام 1863 كانت لعبة كرة القدم تلعب دون نظام أو قانون موحد، وكانت تشبه لعبة الرجبي وبعد ذلك تم تقسيمها إلى قسمين: 1- الرجبي وتلعب بالقدم واليد، 2- كرة القدم وتلعب بالقدم فقط - وفي عام 1863 تم إصدار أول قانون للعبة كرة القدم في إنجلترا، وكان يتضمن القانون ثماني قواعد فقط.
مع نهاية القرن الـ 19 انتشرت لعبة كرة القدم في مختلف أنحاء العالم بواسطة البحارة والتجار البريطانيين ومختلف المسافرين الأوروبيين. فمن أستراليا إلى البرازيل، ومن المجر إلى روسيا أنشئت الاتحادات والأندية والمسابقات. أدى ذلك النمو الشامل إلى تكوين الاتحاد الدولي لكرة القدم ''فيفا'' عام 1904 من قبل فرنسا وبمشاركة ست دول أوروبية حتى وصل الحال إلى أن تلعب الكرة في القارات الخمس وتعتبر أكثر لعبة شعبية بالعالم.
بعد هذه المقدمة الطويلة التي كان لا بد منها حتى نتابع الأحداث وتطوراتها ومثلما هي تطورات أنظمة وقوانين كرة القدم وامتدادها على مر العصور وظروف تطوراتها التي تمت بالعنصر البشري في مجالات اللعب والتدريب والتحكيم وغيرها ممن يشكلون هذه المنظومة. وبعد نهائيات كأس العالم الأخيرة في جنوب إفريقيا وبعد أن تدنى مستوى التحكيم تعالت الأصوات وسط ''فيفا'' وغيرها باستخدام التكنولوجيا في كرة القدم، ورغم أن السويسري جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم ''فيفا'' قد أرجأ مناقشة استخدام التكنولوجيا في كرة القدم وأحال الموضوع إلى مجلس إدارة الاتحاد الدولي لكرة القدم ''الفيفا'' المسؤول عن هذه الأمور لمناقشتها في اجتماعاته.
وحرص ''فيفا'' على تهدئة الوضع فيما يتعلق بهذه القضية في الماضي، لكن الأداء الهزيل للحكام، كما يعتقد البعض في نهائيات كأس العالم 2010 التي أقيمت في جنوب إفريقيا دفع بلاتر إلى إعادة فتح النقاش بهذا الشأن بسبب تزايد الضغوط وتفاديا لما حدث في مباريات كأس العالم في جنوب إفريقيا، إلا أن بلاتر أكد أن التكنولوجيا قد تستخدم فقط لتوضيح المواقف الخاصة بخط المرمى وليس في مواقف تتعلق بالتسلل. وفي الاجتماع السنوي رقم 124، الذي عقد في زيوريخ في السادس من آذار (مارس) 2010، كما جرت العادة في كل سنة تنظم فيها بطولة كأس العالم FIFA، قرر مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم عدم تطبيق التكنولوجيا في كرة القدم، ويؤيد FIFA هذا القرار بناءً على النقاط التالية:
عالمية اللعبة: يتمثل أحد أهداف FIFA الرئيسة في حماية الطابع العالمي الذي تتسم به لعبة كرة القدم، ويعني هذا أن اللعبة يجب أن تُلعب بالطريقة نفسها في أي مكان في العالم، فإذا كنت تدرب مجموعة من المراهقين في أي مدينة صغيرة في أي مكان في العالم، فإنهم سيلعبون بالقواعد نفسها التي ترى اللاعبين المحترفين يلعبون بها على شاشة التلفاز.
إن بساطة لعبة كرة القدم وعالميتها من أسباب نجاحها، فالرجال والسيدات والأطفال والهواة والمحترفون كلهم يلعبون اللعبة نفسها في كل مكان في العالم.
العنصر البشري: بصرف النظر عن نوع التكنولوجيا المستخدمة، سيرجع القرار في النهاية للعنصر البشري، فإذا كان هذا هو الحال، فلماذا نرفع المسؤولية عن الحكم ونجعل شخصا آخر يتحملها؟ فما سيحدث غالبا أنه حتى عندما نعيد عرض لقطة بالتصوير البطيء سيكون لعشرة خبراء مختلفين عشرة آراء مختلفة حول القرار الذي يجب اتخاذه.
إن المشجعين يحبون التجادل بشأن أي حدث تشهده المباراة، إنه جزء من الطبيعة البشرية للعبتنا الرياضية، وهدف FIFA تحسين جودة التحكيم، وزيادة احترافية الحكام وإعدادهم بشكل أفضل، ومساعدة الحكام قدر المستطاع، ولتحقيق هذا الهدف أيضا سيستمر العمل في تحليل التجارب التحكيمية (مثل تجارب الحكام الإضافيين أو دور الحكم الرابع) من أجل التوصل إلى طريقة لدعم الحكام.
العنصر المالي: قد يكون تطبيق التكنولوجيا الحديثة مكلفا للغاية، وهو ما يحد من إمكانية تطبيقها في كل أنحاء العالم. إن الكثير من المباريات، بما في ذلك مباريات من أعلى المستويات، لا تذاع عبر البث التليفزيوني وعلى سبيل المثال، لدينا نحو 900 مباراة تأهيلية لكأس العالم FIFA، وينبغي تطبيق القواعد نفسها في كل المباريات التي تجرى في البطولة نفسها، إن القواعد ينبغي أن تكون نفسها في كل مباريات لعبة كرة القدم حول العالم.
كما أن التجارب التي تجريها الشركات على استخدام التكنولوجيا في كرة القدم مكلفة أيضا. وبعد دراسة متأنية وفحص دقيق للدراسات التي أجريت في السنوات الأخيرة لإعطاء إجابة واضحة بشأن استخدام التكنولوجيا في كرة القدم، كان قرار مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم حاسما بهذا الخصوص أيضا، حيث إن الشركات لن تنفق الكثير من المال على مشروعات لن يتم تطبيقها في النهاية.
استخدام التكنولوجيا على نطاق واسع: لقد طُرح السؤال بالفعل؛ إذا وافق مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم على استخدام تكنولوجيا خط المرمى، فما الذي يحول دون الموافقة على استخدام التكنولوجيا في الجوانب الأخرى من اللعبة؟ سيتم النظر قريبا في كل قرار بشأن كل منطقة في الملعب.
طبيعة اللعبة: لعبة كرة القدم هي لعبة ديناميكية لا يمكن أن تتوقف من أجل مراجعة أحد القرارات. ولو كان يمكن إيقاف اللعب من أجل اتخاذ قرار ما، لقطع ذلك إيقاع المباريات وربما كان سببا في حرمان أحد الفرق من فرصة تسجيل هدف، كما أنه ليس من المنطق أن يتم إيقاف اللعب كل دقيقتين لمراجعة أحد القرارات، حيث إن هذا سيتعارض مع الطبيعة الديناميكية للعبة. لكن هناك من يسعى بكل قوته من أجل تعديل الأمور حسب هواه، فقد صادقت اللجنة الفرعية التقنية التابعة لمجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم IFAB على اقتراح لإنجاز تجربة الحكمين المساعدين الإضافيين خلال موسمي 2010/2011 و2011/2012. وقد جاء هذا القرار خلال اجتماع عُقد الأربعاء 21 تموز (يوليو) 2010 في كارديف، ويلز.
وكان المجلس قد اجتمع يوم 18 أيار (مايو) 2010 في زيوريخ لتحليل تجربة الحكمين المساعدين الإضافيين التي تم اعتمادها في مسابقة دوري أوروبا UEFA خلال الموسم الحالي 2009/2010، حيث قرر مواصلة العمل بالتجربة إلى حين انعقاد الاجتماع العام السنوي الـ 126 لمجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم IFAB عام 2012، دون أن تقتصر التجربة على اتحاد معين دون غيره. أما حول تكنولوجيا خط المرمى فما زال الأمر قيد البحث والتحري، لكن أصبح هذا الموضوع على جدول أعمال ''فيفا''، ومن الأشياء الغريبة فعلا هنالك جهات أخرى تسعى وتعمل من أجل إيجاد تكنولوجيا خاصة بالمرمى؛ فقد قال المسؤولون عن نظام Cairos-Adidas إنهم يملكون نظاما أبسط، وقالت المجموعة الإيطالية التي قدمها اتحاد إيطاليا لكرة القدم إنها تملك حاليا نظاما متناهي الدقة. هناك أيضا نظام Hawk-Eye وشركة Longines اللذين قالا إنهما يملكان حلا سيتغلب على أي نظام منافس.
وبمناقشة هادئة للموضوع، نؤكد هنا أن سر لعبة كرة القدم يكمن في بساطتها وديناميكيتها، وفعلا أصبح الرجال والنساء والأطفال والهواة والمحترفون في كل بقاع الأرض في سهولها وفي جبالها ووسط غاباتها وعلى الأرض الصلبة والنجيل الطبيعي منه والصناعي، بل داخل الصالات وفي المدارس والجامعات وداخل المنازل تمارس كرة القدم وتقام فيها المنافسات، فأين لكل هؤلاء بتكنولوجيا تحكم منافساتهم؟ إن العنصر البشري أهم عنصر في منظومة كرة القدم؛ لأن العنصر البشري دائما وأبدا، وفي كل المجالات هو عنصر الإثارة والمتعة، والجدل الذي يحدث بين المشجعين واختلاف الآراء بين الصحفيين والتباين في الأفكار بين الإداريين يشكل سرا آخر من أسرار عظمة هذه المجنونة كرة القدم.
دعونا نتطرق إلى أمر آخر، ففي كرة القدم ظهر عدد من اللاعبين الأفذاذ الذين أثروا الملاعب بفن راقٍ أمتع الجماهير لسنوات طويلة أمثال بيليه وجرانيشا وباكنباور وماردونا وقائمة طويلة من العمالقة لا يسع المجال لذكرهم، وقد كان في كل فريق عدد من الهدافين أحرزوا الآلاف من الأهداف وتناقص هذا العدد من الهدافين ومن الأهداف؛ ما أثر فعلا على جمال وروعة كرة القدم، فلماذا لم يفكر هؤلاء العباقرة في إيجاد تكنولوجيا تزيد من عدد الأهداف عوضا عن الهدافين؟ بل لم يطرأ في ذهن أي إداري في ''فيفا'' ولا في غيرها في زيادة عدد اللاعبين من أجل زيادة حصيلة الأهداف مثلا؛ لأن الجميع على قناعة بأن هذا العدد كافٍ، بل تم تعديل في بعض مواد القانون من أجل تسهيل مهمة الهدافين لإحراز الأهداف التي هي متعة كرة القدم فلماذا إضافة عناصر بشرية في التحكيم؟
وكان الأجدر بأن يتم التفكير والعمل من أجل إيجاد معالجات أخرى في مجال التحكيم غير إدخال التكنولوجيا أو غيرها من الوسائل التي تلغي الموهبة البشرية في هذا المجال، ويجب أن يعرف الجميع أن الحكم بشر معرض للخطأ مثل اللاعب الذي يضيع هدفا والمرمي خالٍ أو يضيع ضربة جزاء، وحتى نحدث التطور في أداء الحكام اقترح بعض المعالجات:
1-يجب أن يتم تعديل اختبارات الحكام وزيادة الجرعات فيها حتى ترتفع لياقة الحكم وتزداد سرعة حركته وانضباط أدائه ويصبح قريبا من الكرة في أي موقع في الملعب فتسهل مراقبته للإحداث وبالتالي اتخاذ القرار السليم.
2-أن تضاف علوم أخرى مساعدة للمواد التي يدرسها الحكم عند تأهيله وفي دورات الصقل والدورات التنشيطية مثل علم النفس الرياضي والمواد الخاصة بسلوكيات القضاة؛ حتى يكتمل تأهيل الحكم من كل الجوانب.
3-أن تعمل كل الاتحادات المحلية والقارية على إقناع واستيعاب قدامى للاعبين لينخرطوا في سلك التحكيم؛ لأن اللاعب الذي لعب كرة القدم يعرف الكثير من الأسرار التي تحدث داخل الملعب وحتى نقوم بهذا الدور يجب التفكير في إيجاد المغريات المادية والمعنوية وتوفير الحماية والأمن للحكام حتى تغري هؤلاء اللاعبين بالعمل في مجال التحكيم بدلا من اتجاههم لمجال التدريب والتحليل الفني في القنوات الرياضية، يجب أن نوجد لهم فعلا المغريات والمادية على وجه الخصوص. إن تجربة إضافة حكمين على خط المرمي لهي تجربة حزينة .. جبانة .. فاشلة.. تعني الانهزام.. حتى ولو نجحت في بعض من جزئياتها فإنها تسلبه الثقة في النفس والقدرة على المتابعة وتفقد اللعبة إثارتها وجمالها وتفقد الملعب هيبته، بل وأخاف أن يضاف أيضا حكم آخر داخل الملعب وحكمان آخران على جنبات الملعب ليصبح عدد حكام المباراة عشرة حكام.
رسالة أخيرة لـ ''فيفا'' .. امنحوا الحكام الثقة في أنفسهم .. لا تستمعوا وتنقادوا لإدارات الأندية والمنتخبات فهي تعلق إخفاقاتها على شماعة التحكيم .. أهّلوهم علميا وبدنيا ونفسيا وحينها ستعود للتحكيم والحكام هيبتهم.