ضعف التوعية بـ «ساهر» أثر على قبوله اجتماعيا
أظهرت الإحصائيات الأخيرة لنظام ''ساهر'' المروري انخفاضاً ملحوظاً في عدد الحوادث المرورية في المناطق والمدن التي تم بدء تطبيق النظام فيها، التي من بينها على سبيل المثال مدينة الرياض، حيث أوضحت إحصائية أن الأشهر الأربعة الماضية من هذا العام وبين الفترة نفسها من العام الماضي، سجلت الرياض انخفاضا في عدد الوفيات بلغت نسبته 49 في المائة، حيث انخفضت الوفيات من 118 حالة إلى 79 حالة، فيما تراجعت عدد الإصابات بنسبة 9 في المائة من 583 حالة إلى 525 حالة، في حين سجلت أعداد الحوادث انخفاضاً بلغ معدله نحو 21 في المائة من 51959 حادثاً إلى 40900 حادث.
دون أدنى شك أن الانخفاض في نسبة الحوادث المرورية في مدينة الرياض منذ بدء تطبيق نظام ''ساهر''، وما صاحب ذلك من انخفاض ملحوظ في أعداد الوفيات وحالات الإصابات، يؤكد نجاح النظام في تحقيقه أهدافه السامية والنبيلة، المتمثلة في تحسين مستوى السلامة المرورية، وتوظيف أحدث التقنيات المتقدمة في مجال النقل الذكي ITS لإيجاد بيئة مرورية آمنة، والرفع من كفاءة شبكة الطرق، ودعم جهاز الأمن العام باستخدام أحدث أنظمة المراقبة، وأخيراً العمل على تنفيذ أنظمة المرور بدقة واستمرارية، ولا سيما حين ربط تحقيق تلك الأهداف بالوضع المروري المأساوي الذي تعيشه المملكة، وبالتحديد فيما يتعلق بارتفاع معدلات حوادث المرور في المملكة، التي تعتبر الأعلى على مستوى العالم مقارنة بمعدلات الحوادث المرورية في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، إذ تشير الإحصائيات إلى أن الحوادث المرورية في السعودية عام 1429 بلغت 485931 حادثا مروريا، تسببت في حدوث 6458 حالة وفاة، أو ما يعادل 18 وفاة يوميا, أو حالة وفاة في كل ساعة ونصف الساعة.
إضافة إلى تحقيق نظام ''ساهر'' ضبطا مروريا جيدا، تمثل ــ كما أوضحت ــ في تخفيضه عدد الحوادث المرورية، إلا أنه تمكن أيضاً من تحقيق إنجاز أمني مروري غير مسبوق على مستوى المملكة، لتمكنه من رصد عدد من السيارات واللوحات المسروقة، ومن هذا المنطلق فإن الاستمرار في تطبيق النظام وتعميم تطبيقه على مناطق المملكة ومدنها كافة، سيساعد على الارتقاء بالبيئة المرورية في السعودية وعلى مضاعفة درجات السلامة المرورية، ما سيسهم بفاعلية في خفض أعداد الحوادث المرورية وتجنيب الاقتصاد الوطني الخسائر المادية السنوية الفادحة التي يتعرض إليها, التي تؤكدها الأرقام الرسمية بأنها تصل إلى نحو 13 مليار ريال.
رغم النجاحات المرورية الكبيرة التي حققها نظام ''ساهر''، إلا أن النظام منذ بداية تطبيقه حتى وقتنا الراهن لا يحظى ــ مع الأسف ــ الشديد بقبول واستحسان عدد كبير من أفراد المجتمع، بسبب الاعتقاد السائد لديهم، أن النظام وجد في الأساس لتدعيم مداخيل وإيرادات المرور، من خلال رصد المخالفات وفرض الغرامات، أو بمعنى آخر أوضح وأدق أن النظام لا يتعدى كونه نظام جباية وتحصيل، تسعى من خلاله إدارة المرور إلى تعزيز إيراداتها، رغم أن واقع الحال مخالف تماماً لهذا الاعتقاد ولهذا المفهوم الخاطئ، بالذات حين النظر إلى حجم المبالغ الطائلة التي استثمرتها الحكومة لإيجاد النظام والرفع من مستوى الأداء، باستخدام أحدث الأنظمة والتقنيات العالمية المتقدمة في مجال العمل المروري، المتمثلة في المراقبة الحية للحركة المرورية، وسرعة معالجة الحالات المرورية، وسرعة ضبط المخالفات، وإشعار المخالف بالمخالفات في أسرع وأقصر وقت ممكن.
نتيجة للمقاومة المجتمعية لنظام ''ساهر''، حاول عدد كبير من قائدي المركبات، وبالذات من فئة الشباب, التحايل بمختلف الطرق والوسائل على أدوات ووسائل رصد المخالفات (الكاميرات)، باستخدام البخاخات لطمس لوحات المركبات للحيلولة دون رصد النظام السيارات المخالفة، أو استخدام أجهزة وأدوات أخرى، أشيع أنها تعمل على كشف أنظمة ورادارات وكاميرات النظام وتفاديها تحت مختلف الظروف، بل إن البعض لجأ إلى نزع لوحات المركبات لإعاقة كاميرات النظام من رصد المخالفات.
إن ضعف مستوى التوعية بأهداف نظام ''ساهر'' النبيلة قبل انطلاقته وخلال مراحل التطبيق المختلفة في مناطق المملكة، أسهم بشكل كبير في سوء فهم أهداف النظام وفي خلق المقاومة المجتمعية، كما أن عدم التدرج في تطبيق النظام، أسهم بشكل كبير في مقاومة النظام، والتحايل على أهدافه وفي إجهاض أغراضه، ولا سيما أن النظام اشتمل على عدد كبير من المخالفات، تضمنتها أربعة جداول رئيسة، حيث بلغ عدد المخالفات نحو 73 مخالفة، ومن هذا المنطلق وبهدف التعزيز من مستوى قبول النظام، فإن الأمر يتطلب تكثيف حملات التوعية بأهداف النظام، والتدرج في تطبيق المخالفات، ليشمل ذلك في البداية التركيز على المخالفات الأكثر خطراً، التي تتسبب بنسبة كبيرة في حدوث الحوادث المرورية، مثل قطع إشارات المرور الحمراء، وتجاوز السرعة القانونية وهكذا، كما أن سرعة الانتهاء من إعادة تأهيل الشوارع والطرقات في المدن وتجهيزها باللوحات الإرشادية بما في ذلك تأهيل عدد من التقاطعات والشوارع الفرعية، سيساعد إلى حد كبير على قبول النظام وعلى تحقيقه أهدافه المنشودة والمرجوة منه، بحيث تصبح بيئتنا المرورية، بيئة خالية ــ بإذن الله تعالي ــ من الحوادث المرورية القاتلة والمميتة، التي تتسبب في كل عام في إزهاق الأرواح البريئة، وفي تخريب وتدمير الممتلكات والمكتسبات المادية والاقتصادية، والله من وراء القصد.