مَنْ حَضَّرَ عِفْريتَ البطالة؟! (1)
في شأن عفريت البطالة، الذي أطلَّ برأسه الكئيبة على كثير من البلدان العربية، تقرأ وتسمع وتشاهد عجبا، والأعجب أن تجد استنساخاً مُذهلاً لوسائل تبرئة النفس من تحضير هذا «العفريت المُخيف»، تارة من المسؤولين، وتارة من المُشرِّعِين، وتارة من المواطنين.. إذنْ مَنْ حَضَّرَ العفريت، ليتسنى لنا صَرْفه؟!.
معروفٌ للعامة والخاصة، أن البطالة ليست من الكوارث الصاعقة التي تهبط فجأة على رؤوس العباد بلا سابق إنذار أو تنبيه، لكنها بذرة تَخَلَّقت في أرض الواقع بسوء تربية، أو سوء تخطيط، أو سوء تنفيذ، وجميعها نتاج لجيوش مُجَيَّشَةٍ من أسباب متداخلة ومتشابكة ومعقدة، ثم تُركَتْ لتتمكن من الأرض إهمالاً أو احتقاراً، حتى تجَذرَتْ، وتَفَرَّعَتْ، وتَوَرَّقتْ، وأثمَرَتْ، وكعادة الذي لا يستيقظ إلا على مصيبة، بدأنا نصرخ حين حاصرتنا «قنابلها الموقوتة».. أقصد الشباب المُعَطَّل!.
لنلتقط الخيط من أوله، لنعرف من ذا الذي أدلى بدلوه في تحضير عفريت البطالة، وإذا عُرف السبب، بَطُلَ العَجَب، وسَهُلَ العلاج..!.
## المحطة الأولى: البيت
أولا: الأسباب:
(1) أساليب التربية والتنشئة في كثير من الأسر تعتمد على التدليل المبالغ فيه، بما يُمهد لإفراز أجيال «هالوكية»، «اتكالية»، «فاقدة للثقة في النفس»، تعتمد كلياً على الأبوين في المسكن والمشرب والمأكل والملبس والنفقات الشخصية.
(2) حينما يُدفع الولد أو البنت إلى التعليم، تغرس الأسرة في نفسه أو نفسها أنه «تعليم من أجل الوظيفة»، فتضمحل الرغبة في الإبداع لدي الأولاد، وينحصر الطموح في وظيفة تدر دخلاً بعد التخرج، فإذا صادف الخريج سوقاً تطلب المتميزين والنابهين، فما هي نسبته في الحصول على الوظيفة الهدف؟!.
(3) إهمال الأسرة في التقاط وتنمية المواهب الذاتية والملكات الفطرية للأولاد والدفع بها في مجالات تعليمية وتدريبية بما يؤهلهم للمنافسة في سوق العمل مستقبلاً.
(4) في تصنيفنا للأعمال تغلب علينا «المظهرية»، وتهرب منا «الواقعية»، بل وننظر إلى كثير منها نظرة دونية، فنقول: هذا عمل كبير وهذا عمل صغير، أو نقول: هذا عمل وجيه وهذا عمل حقير، فتنتقل العدوى إلى الأبناء، فيتأففون من أعمال سمعوا أنها لا تليق، فيفضلون البطالة عن ممارسة بعض الأعمال.
(5) يكثر الحديث في الأوساط الأسرية أمام الأطفال والشباب عن تردي الأوضاع الاجتماعية، كالحديث مثلاً عن فشل التعليم، وانتشار المحسوبية، وعن بطالة الخريجين وعدم قدرتهم على بناء أسرة..الخ، الأمر الذي يكرس لدي الشباب بأنه لا أمل في المستقبل، وأن الطريق مملوء بالأشواك والعراقيل.
(6) كثير من الأسر تُصِرُّ على أن يتناسب العمل مع شهادة التخرج، وهي نظرة تتسم بالمحدودية والضيق في ظل ندرة الوظائف «التفصيل»، أي التي يجب أن تكون على المقاس والمزاج في آن واحد، وهو أمر يدفع الشباب إلى التلجلج والتحجج، والركون إلى طلب العمل السهل المريح، ذي الدخل الوفير.
(7) نظرة الأسرة إلى العمل تبقى محصورة في اعتباره «قيمة مادية» فحسب، وهو الأمر يفسر كسلها في الدفع بالأبناء نحو العمل الخيري التطوعي في أوقات الفراغ، على الأقل لتوفير فرص احتكاك مناسبة بشرائح المجتمع، وما لذلك من أثر في إزالة الرهبة من التعامل مع الناس، وما يترتب عليه من تنمية للثقة بالنفس.
ثانياً: وسائل العلاج.. في المقال القادم إن شاء الله.
* باحث في علم الإحصاء