آلية استقطاب واستبقاء الكفاءات .. هل حققت نتائجها المأمولة؟
كما نعلم أنه خلال الفترة الماضية أصبح هناك نقص كبير في الكفاءات في المؤسسات، سواء كانت الحكومية أو الخاصة؛ لذلك نجد أن الكثير من المؤسسات، خصوصا في القطاع الخاص، يقدم عروض توظيف تعتبر خيالية إذا ما قورنت بفترة سابقة، وأصبح من الطبيعي أن ترى الكثير من الموظفين يتنقل خلال فترة وجيزة بين أكثر من شركة للحصول على دخل أعلى، وهذا أمر طبيعي يلجأ إليه الكثير من الشركات في العالم، رغبة في استقطاب أفضل القوى العاملة لتقديم خدمات ومنتجات تنافسية على مستوى عال من الجودة، والمساهمة في تنمية وتطوير عمل تلك المؤسسات.
أما على مستوى القطاعات الحكومية، فقد سعى الكثير من القطاعات إلى الحصول على الدعم الحكومي للموافقة على مجموعة من الحوافز للكفاءات، خصوصا في القطاعات الأكاديمية، حيث إنه بعد النهضة التي شهدتها المملكة على مستوى التعليم العالي، إذ تم إنشاء مجموعة كبيرة من الجامعات الجديدة، حيث إنه خلال فترة وجيزة أصبح عدد الجامعات في المملكة 24 جامعة حكومية، إضافة إلى دعم إنشاء جامعات أهلية، وذلك بعد أن كان عدد الجامعات في السابق سبع جامعات فقط.
هذا النمو الكبير في عدد الجامعات يتطلب استقطاب عدد كبير من الكفاءات الأكاديمية سواء من المواطنين، أو من الخبرات الأكاديمية من دول العالم، وبناءً عليه فقد تم تقديم الحوافز لأعضاء هيئة التدريس مثل بدل التدريس والندرة والجامعات الناشئة ضمن آلية تضمنها القرار. ذلك كان له دور في تنافسية الاستقطاب لهذا القطاع المهم، الذي يعتبر سمة لهذه المرحلة من تاريخ المملكة.
والحقيقة أن ما سبق من الحوافز تركز في الغالب، خصوصا بالنسبة إلى المواطن على الحوافز المالية، من خلال الزيادة في الدخل دون الأخذ مع عدم التركيز على أمور أخرى. ومسألة الزيادة في الدخل قد يكون لها دور كبير في الاستقطاب، لكن فيما يتعلق باستبقاء الموظف فهو أقل بدل كثرة الانتقالات من شركات إلى أخرى ومن قطاعات حكومية إلى قطاعات أخرى، وهذا قد يكون بسبب سياسة الاستبقاء التي لا تركز عليها الشركات كثيرا.
والحقيقة أن سياسة الاستبقاء موجودة عند بعض المؤسسات الحكومية والأهلية؛ ولذلك تجد أن الكثير من الموظفين في بعض هذه المؤسسات والشركات لا ينتقلون من هذه الشركات والمؤسسات الحكومية. ولذلك تجد من الأمثلة، فيما يتعلق بالشركات، أن شركات مثل "أرامكو" و"سابك" تعتبر مثالا جيدا للاستبقاء. أما فيما يتعلق بالقطاعات الحكومية فنجد أن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن تقدم مجموعة من الخدمات وتوفير البيئة المناسبة لاستبقاء أعضاء هيئة التدريس والموظفين في الجامعة.
سياسة الاستبقاء تتطلب توفير البيئة المناسبة للموظف التي تعتني باحتياجاته سواء احتياجاته الشخصية أو الصحية أو الاجتماعية، فمثلا توفير سبل العلاج الجيدة والمتميزة للموظف تعتبر عاملا مؤثرا، فهو وإن كانت الشركات الخاصة لديها نظام التأمين الصحي، إلا أن هذا قد يكون له دور في التحفيز للانتقال من القطاع الحكومي، إلا أنه لن يكون فاعلا في منافسة المؤسسات الأخرى من القطاع الخاص. من الحوافز أيضا الاهتمام بوضع أسرة الموظف من جهة توفير فرصة أكبر لتعليم أبنائه، إضافة إلى الإقامة في مكان مناسب، وتوفير البيئة الاجتماعية التي تلبي احتياج أسرة الموظف.
الحقيقة، أن الاستمرار في عملية الاستقطاب دون الاهتمام بمسألة الاستبقاء سيؤثر بالتالي في وضع الشركات والقطاعات الحكومية، إذ إن الكثير من الكوادر أصبحت تتنقل بين الكثير من المؤسسات دون أن تضيف إليها إضافة حقيقية في عملها، بل قد يؤثر سلبا في بعض الحالات. مسألة الاستبقاء لها دور كبير في عملية التنمية المستدامة للمؤسسات الحكومية والأهلية، والاستمرار في عملية النمو التطوير في عملها؛ فالشخص الذي يعمل وهو يعتقد أنه سيستمر في المؤسسة سيكون عطاؤه أكثر كفاءة وإنتاجية من الذي يفكر دائما في الانتقال عندما يجد الفرصة الأفضل للانتقال.الخلاصة، أنه ينبغي للقطاعات الحكومية والأهلية العمل على وضع آلية لاستبقاء الكفاءات؛ وذلك لتحقيق التنمية المستدامة للمجتمع، ولتحقيق ذلك لا بد من توفير البيئة التي يمكن أن تسمَّى الجاذبة للكفاءات؛ وذلك من خلال التركيز على تسهيل احتياجاتهم الشخصية والاجتماعية.