الاتحاد الأوروبي وعقبات تحرير التجارة الحرة
أحرز الاتحاد الأوروبي تقدما كبيرا في تحرير التجارة بين دوله الأعضاء، وإن ظل هناك عدد هائل من العقبات. ويوضح بحث أجراه صندوق النقد الدولي (2024) أن الحواجز التجارية المرتفعة داخل أوروبا تُعادل تكلفة تبلغ 44% للسلع المصنَّعة و110% للخدمات. ويتحمل هذه التكاليف المستهلكون والشركات في الاتحاد الأوروبي في شكل تراجع المنافسة، وارتفاع الأسعار، وانخفاض الإنتاجية.
ولا يزال الاتحاد الأوروبي أيضا بعيدا عن تكامل أسواق رأس المال، في ظل تراجع تدفقات رؤوس الأموال عبر الحدود بسبب استمرار حالة التشرذم على المستوى الوطني. فقد بلغ مجموع رأس المال السوقي لبورصات هذه الكتلة نحو 12 تريليون دولار في 2024، أي 60% من إجمالي الناتج المحلي للبلدان المشاركة.
ومقابل ذلك، بلغ رأس المال السوقي لأكبر بورصتين في الولايات المتحدة مجتمعتين 60 تريليون دولار، أي أكثر من 200% من إجمالي الناتج المحلي. وضعف التنسيق على مستوى الاتحاد الأوروبي في المجالات المهمة، مثل قانون الأوراق المالية، يعرقل النمو من خلال الحيلولة دون تدفق رؤوس الأموال إلى حيث تبلغ أعلى مستويات إنتاجيتها.
وهذا أحد أسباب تأخر أوروبا عن الركب من حيث اعتماد تكنولوجيات مُعَزِّزة للإنتاجية وانخفاض مستويات إنتاجيتها. فاليوم، تقل الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج في الاتحاد الأوروبي بنحو 20% عن مستواها في الولايات المتحدة. ويعني انخفاض الإنتاجية تراجع مستويات الدخل. وحتى في أكبر الاقتصادات المتقدمة في الاتحاد الأوروبي، يقل نصيب الفرد من الدخل بنحو 30% عن المتوسط في الولايات المتحدة (راجع الرسم البياني 1).
الشركات منخفضة النمو
لا بد من إلقاء نظرة أعمق على فجوة الإنتاجية الواسعة في أوروبا. وقد فحص زملائي أخيرا أداء الشركات الأوروبية القادرة على أن تصبح قاطرات للنمو الاقتصادي الكلي – أي الشركات الراسخة المتفوقة في الإنتاجية وكذلك الشركات حديثة العهد ذات النمو المرتفع (دراسة Adilbish and others 2025). وتكشف النتائج التي خلصوا إليها عن وجود فجوات كبيرة في الابتكار والإنتاجية مقارنة بالحدود العالمية للمجموعتين.
فالشركات الأوروبية الرائدة ليست متأخرة عن منافسيها في الولايات المتحدة فحسب، بل يتزايد تخلفها عن الركب بمرور الوقت. ويصدُق هذا الأمر على مستوى جميع القطاعات، وإن كان ينطبق على قطاع التكنولوجيا بصفة خاصة. ففي حين زادت إنتاجية شركات التكنولوجيا المدرجة في الولايات المتحدة بنحو 40% على مدى العقدين الماضيين، لم تشهد شركات التكنولوجيا الأوروبية أي تحسن تقريبا.
وقد يتمثل أحد أسباب هذا الأمر ببساطة في أن الشركات الأمريكية تبذل مزيدا من الجهد؛ فقد زادت إنفاقها على البحوث والتطوير بمقدار 3 أضعاف إلى 12% من إيرادات المبيعات، وهو ما يُعادل 3 أضعاف النسبة التي تخصصها الشركات الأوروبية التي ظلت قابعة عند متوسط 4% في العقود الأخيرة.
وسيبدو المستقبل أكثر إشراقا إذا كانت أوروبا تأمل في أن تحد الشركات حديثة العهد ذات النمو المرتفع من العجز في الابتكار والإنتاجية. ولكن للأسف، ليس لدى الاتحاد الأوروبي سوى بضع شركات من هذا النوع. ولهذه الشركات تأثير اقتصادي أقل كثيرا مما لدى الشركات في الولايات المتحدة، حيث تسهم الشركات الأحدث عهدا بنسبة أكبر كثيرا من توظيف العاملين.
وبعبارة أخرى، لدى الاتحاد الأوروبي عدد كبير من الشركات الصغيرة القديمة ذات النمو المنخفض. ويعمل نحو خُمس الموظفين الأوربيين في شركات متناهية الصغر تضم 10 أشخاص أو أقل، وهي نسبة تبلغ ضعف مثيلتها في الولايات المتحدة. وفي حين توظِّف الشركة الأوروبية المتوسطة التي تعمل منذ 25 عاما أو أكثر نحو 10 عاملين، توظِّف الشركات الأمريكية المماثلة 70 عاملا.
فما الذي يفسر هذه الفروق الشاسعة؟ يشير بحثنا إلى أسواق المستهلكين للسلع والخدمات التي لا تزال تتسم بالتشرذم في أوروبا. ولكن يوجد أيضا قصور في أسواق رأس المال والعمل، ما يزيد الحد من الحوافز التي تدفع الشركات للتوسع ويحد من قدراتها على القيام بذلك.