سيناريوهات المفاوضات النووية وتأثيرها في أسواق النفط

تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران منذ تولي الرئيس دونالد ترمب الرئاسة في يناير 2025 تطورات متسارعة بسبب البرنامج النووي الإيراني. فبعد انسحاب الولايات المتحدة في 2018 من الاتفاق النووي خلال ولايته الأولى الذي تم التوصل إليه في عهد سلفه باراك أوباما عام 2015، عادت المفاوضات إلى الواجهة مع إدارته الجديدة.
لقد أعلن الرئيس ترمب الشهر الماضي أن الولايات المتحدة باتت قريبة جدًا من التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، مشيرًا إلى أن هذا الاتفاق قد يجنب المنطقة تصعيدًا عسكريًا. ورغم أن ترمب أثار في الوقت نفسه الخيار العسكري كبديل في حال فشل المفاوضات، ما أثار ردود فعل متباينة من طهران التي وصفت تهديداته بأنها غير مقبولة فإن الولايات المتحدة تسعى إلى اتفاق يحد من قدرات إيران النووية مع التركيز على خفض أسعار النفط العالمية.
قد يسمح العرض الأمريكي لإيران بتخصيب اليورانيوم بمستويات منخفضة غير كافية لصنع أسلحة نووية دون تفكيك المنشآت النووية بالكامل. لكن ترمب عبر عن موقف أكثر تشددًا أخيرا، حيث أكد أنه لن يسمح بأي تخصيب لليورانيوم ما يعكس تناقضًا في الإستراتيجية الأمريكية.
أما إيران فقد أبدت مرونة حذرة واستعداد للتفاوض شريطة رفع جميع العقوبات الاقتصادية ولعل أهمها الحظر الذي تفرضه على صادرات النفط.
يبدو المشهد أكثر تعقيداً سياسياً واقتصادياً ونفطياً فتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الشهر الماضي كشف أن إيران راكمت من تخصيب اليورانيوم، حيث تملك الآن ما يكفي لصنع عشر قنابل نووية، ما يعزز موقفها التفاوضي بيد أنه يثير قلقاً بالغاً لدى الدول الغربية، ورغم الأنباء المتضاربة حول تقدم المفاوضات إلا أن القرب من اتفاق نهائي تعرض لنكسة أخيرا حيث اعتبرت إيران مطلع الشهر الحالي إن ما عرضه الجانب الأمريكي غير قابل للتنفيذ لأنه لا يلبي مصالحها، خاصة فيما يتعلق بحق تخصيب اليورانيوم.
تتركز إستراتيجية ترمب على تحقيق استقرار في أسواق النفط لدعم الاقتصاد الأمريكي، كما تستخدم إيران برنامجها النووي كورقة ضغط، حيث يمنحها مخزون اليورانيوم المخصب تفوقًا تفاوضيًا، لكنها تواجه ضغوطًا داخلية كبيرة لتحسين الاقتصاد عبر رفع العقوبات واستئناف صيانة وتطوير منشآتها النفطية وزيادة معدلات الاستثمار في القطاع النفطي الذي تضرر كثيراً بسبب العقوبات الأمريكية والغربية.
كل هذا المشهد المعقد يلقي بظلاله على أسواق النفط التي تترقب ما تسفر عنه المفاوضات حتى تحدد اتجاهها وحركة أسعارها التي ستتأثر بها الدول المنتجة والمستهلكة والاقتصاد العالمي بأكمله. و مع كل هذه الأنباء والتطورات يظل سؤالاً مهما ماثلاً وهو كيف يبدو تأثير سيناريوهات المفاوضات في أسواق النفط،
لقد تأثرت أسواق النفط العالمية بشكل مباشر بالتطورات في المفاوضات النووية الإيرانية، حيث يرتبط رفع العقوبات عن إيران بزيادة محتملة في إمدادات النفط، ما يؤثر في الأسعار. ففي 2015، عندما اقتربت إيران من توقيع الاتفاق النووي، تراجعت أسعار خام برنت إلى نحو 56.84 دولارًا للبرميل، نتيجة توقعات بزيادة إمدادات النفط الإيراني وفي فبراير 2022، هبط خام برنت بنسبة 2.52% إلى 92.42 دولارًا للبرميل بسبب التقدم الذي أحرزه الإيرانيون مع الإدارة الأمريكية السابقة.
أما فيما يتعلق بالمفاوضات الجارية حالياً فقد هبطت أسعار خام برنت مطلع الشهر الماضي بأكثر من 2% إلى أقل من 65 دولارًا للبرميل، وتراجعت عقود خام غرب تكساس إلى 61.62 دولار، جاء ذلك بعد تصريحات ترمب عن قرب التوصل إلى اتفاق. هذا التراجع يعكس مخاوف السوق من زيادة المعروض، حيث يتوقع أن يؤدي رفع العقوبات إلى إضافة ما بين 200 إلى 300 ألف برميل يوميًا إلى السوق العالمية، مع إمكانية وصول صادرات إيران فوق مستوى 1.7 مليون برميل يوميًا بحلول نهاية 2025
قد يؤدي الاتفاق إلى فائض كبير في المعروض وهذا ما تخشاه الأسواق خاصة مع زيادة معدلات إنتاج دول أوبك بلس التي أخذت حيز التنفيذ من أبريل إلى يونيو من العام الحالي لتعيد إلى الأسواق تدريجياً مما مجموعه 2.2 مليون برميل يومياً من التخفيضات الطوعية التي أقرتها 8 دول هي السعودية والإمارات والكويت والجزائر وروسيا وكازاخستان وعُمان والعراق.
هذه الزيادات ألقت بظلالها على الأسواق وأدت إلى انخفاض في الأسعار رغم أن هذا التراجع سيخفف الضغوط التضخمية على الاقتصادات المستهلكة ولكنه قد يؤثر سلبًا في الدول المنتجة بسبب انخفاض الأسعار.
لقد قادت التوترات بين إيران والولايات المتحدة في مارس الماضي إلى حالة من عدم اليقين، ما دعم ارتفاع الأسعار عند صدور أنباء عن خطة أمريكية لتفتيش ناقلات النفط الإيرانية وعكس أن التوترات وإشارات عدم التوافق تذهب بالأسعار باتجاه الارتفاع.
وحول سيناريو التوصل إلى اتفاق، فإن رفع العقوبات سيسمح لإيران بزيادة صادراتها النفطية، وهو ما يجعل احتمال انخفاض أسعار النفط هو الأكثر ترجيحاً. أما في حال الفشل الكامل للمفاوضات خاصة مع تصعيد إسرائيلي أمريكي محتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية، فقد ترتفع أسعار النفط بشكل كبير نتيجة مثل هذا التصعيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي