معوقات الحكومة الإلكترونية في السعودية
شخَّص المؤتمر الثاني للتعاملات الإلكترونية ومشروع تحويلها من الورقية إلى الإلكترونية، تحت عنوان "تعاون مثمر لنجاح يثمر"، الذي عقد بتاريخ 26 أيلول (سبتمبر) 2010، في مدينة الرياض عددا من التحديات والمعوقات، التي تواجه اكتمال منظومة التعاملات الإلكترونية الحكومية في السعودية، أو ما يعرف ببرنامج "يسر"، وتحد من انتشارها وفق ما هو مخطط ومرسوم لها في الخطة الوطنية للتعاملات الإلكترونية.
من بين أبرز المعوقات التي تواجه اكتمال منظومة التعاملات الإلكترونية في المملكة، نقص الكوادر البشرية الوطنية ببعض القطاعات الحكومية، المؤهلة التأهيل الفني العالي للتعامل مع هذه النقلة الرقمية المرتبطة بإنجاز التعاملات الحكومية إلكترونيا عوضا عن إنجازها ورقيا ويدويا. من بين أبرز المعوقات أيضا ضعف البنية التحتية والإجرائية والتشريعية ببعض الأجهزة الحكومية؛ ما يعوق من ميكنة الإجراءات وتحويل التعاملات الحكومية إلى تعاملات إلكترونية بالكامل، كما أن محدودية الموارد المالية وعدم مرونتها بما في ذلك الإجراءات الإدارية بعدد من الأجهزة الحكومية، وبالذات فيما يتعلق بسرعة الاستجابة لمتطلبات واحتياجات الاستثمار في الحكومة الإلكترونية وإجراء التعديلات والتغيرات اللازمة، يعيق من سرعة تقدم إنجاز المشاريع المرتبطة بالحكومة الإلكترونية.
الكاتب المهندس محمد السهلي حدد في مقال نشر له في "الاقتصادية" بعنوان "التعاملات الإلكترونية الحكومية .. مكمن الخلل"، عددا من مواطن الخلل في تطبيقات الحكومة الإلكترونية في المملكة، تمثلت أبرزها في ضعف التكامل في كثير من الخدمات الإلكترونية التي تقدمها الأجهزة الحكومية، فيما عدا عددا من خدمات "مركز المعلومات الوطني" والجهات المرتبطة به، هذا إضافة إلى أن معظم معايير سهولة الاستخدام غير متوافرة أو لم تؤخذ في الحسبان، وأن درجة الأمان ضعيفة في كثير من الخدمات التي تقدم، ولا يوجد أقسام أو إدارات متخصصة في أمن المعلومات في معظم الجهات الحكومية، وإن وجد في بعضها فكثير ممن يعملون فيها غير متخصص أو مؤهل بالشكل الجيد في هذا الجانب.
هذه المعوقات وغيرها التي تواجهها تطبيقات التعاملات الإلكترونية في السعودية، خلقت تفاوتا وفجوة رقمية كبيرة بين الجهات والأجهزة الحكومية، حيث إنه في حين أن بعض الأجهزة الحكومية أحرزت تقدما ملموسا في تطوير خدماتها الإلكترونية التي تقدم للمراجعين من المواطنين والمقيمين، إلا أن البعض الآخر لا تزال خدماتها الإلكترونية تعاني شيئا من القصور؛ ما تسبب في عدم رضاء المستخدمين وانتشار ظاهرة الاصطفاف في الطوابير لإنجاز التعاملات، وبالتالي في ضياع الوقت وبذل مجهود إضافي، سواء من قبل العاملين في الأجهزة الحكومية، أو من قبل المراجعين لإنجاز المعاملات.
بالرغم من المعوقات التي واجهت انطلاقة تعاملات الحكومة الإلكترونية في المملكة، وفق ما تضمنته الاستراتيجية الوطنية للتحول للتعاملات الإلكترونية، واستراتيجية الخطة الخمسية الأولي للتنفيذ للفترة (2006 إلى 2010)، وتأسيس برنامج "يسر"، إلا أنه قد تمكنت 126 جهة حكومية من التحول إلى التعاملات الإلكترونية، وتقديم نحو (ألف) إلكترونية، إضافة إلى بدء عدد من الجهات الحكومية في التعامل مع عملية التحول بشكل جيد. بالنسبة إلى القطاع الخاص السعودي، لعل من بين أبرز القطاعات التي حققت قفزات نوعية غير مسبوقة في التعاملات المصرفية الإلكترونية على المستويين العربي والدولي، القطاع المصرفي وجميع البنوك العاملة في المملكة، وذلك بشهادة المختصين في مجالات التعاملات الإلكترونية المحليين والدوليين؛ ما يؤكده تعدد القنوات والوسائل الإلكترونية المتوافرة لدى البنوك (أجهزة الصراف الآلي، وطرفيات نقاط البيع، والإنترنت المصرفي، والهاتف المصرفي)، التي تمكّن عملاء البنوك من تنفيذ عملياتهم المصرفية المختلفة على مدار الساعة وخلال أيام الأسبوع بلا توقف، ودون الحاجة إلى الذهاب إلى الفروع، حيث إنه على سبيل المثال، قد بلغ عدد العمليات المنفذة من خلال أجهزة الصراف الآلي خلال الربع الثاني من العام الجاري ما يقارب 267 مليون عملية، بإجمالي مبالغ وقدرها 117.8 مليار ريال، كما بلغ إجمالي العمليات المنفذة من خلال نقاط البيع خلال الربع نفسه نحو 37 مليون عملية، بإجمالي مبالغ وقدرها 18.5 مليار ريال، هذا وقد أسهم نظام "سداد" للمدفوعات، وهو أحد أنظمة مؤسسة النقد العربي السعودي بفاعلية في تمكين المواطنين والمقيمين من سداد ودفع الفواتير والمدفوعات لعدد كبير من الخدمات العامة والأساسية إلكترونيا، عبر جميع القنوات المصرفية في المملكة، هذا وقد بلغ عدد المفوترين المرتبطين بنظام "سداد" حتى نهاية العام الماضي 80 مفوترا، وبلغ عدد المصارف المرتبطة مع النظام للفترة نفسها 13 مصرفا، في حين بلغ إجمالي عدد العمليات التي نفذت عبر النظام، نحو 67.7 مليون عملية، وبلغ إجمالي قيمة هذه العمليات نحو 43.7 مليار ريال. خلاصة القول، أن تطبيقات التعاملات الإلكترونية في السعودية على مستوى القطاعين العام والخاص، شهدت تطورا ملحوظا وتقدما ملموسا خلال السنوات القليلة الماضية، وبالذات على مستوى القطاع الخاص، وبتحديد أكثر على مستوى القطاع المصرفي، رغم المعوقات والتحديات التي واجهتها بعض الأجهزة الحكومية، بالذات المرتبطة بتوافر الكوادر البشرية والبنية التحتية والفوقية، بما في ذلك التشريعات والإجراءات.
إن النهوض بمستوى التعاملات الإلكترونية الحكومية في السعودية، يتطلب خلال الخطة الوطنية الثانية للفترة (2011 إلى 2015)، وضع مؤشرات قياس أداء ملزمة لجميع الأجهزة الحكومية، وإلزامها بالمشاركة بالبيانات مع الجهات الحكومية الأخرى بما في ذلك التنسيق الحثيث فيما بينها، الذي يكفل انتشار وشمولية التعاملات الإلكترونية على قدم المساواة بين الأجهزة المختلفة، كما أن نجاح اكتمال منظومة تطبيقات التعاملات الإلكترونية، يتطلب توفير الموارد المالية اللازمة، والرفع من مستوى وعي المستخدمين بالتطبيقات والاستخدامات المختلفة للتعاملات الإلكترونية؛ لتعم بذلك الفائدة وشمولية النفع على الجميع، والله من وراء القصد.