العرب والاستنجاد بدول الجوار

في كتابها ''شمس العرب تسطع على الغرب'' تناولت المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة جوانب من الحضارة العربية وتأثيرها في الغرب، واستعرضت في هذا الكتاب، وهو ثمرة سنين طويلة من الدراسة والبحث إسهامات الحضارة العربية في علوم الغرب وحضارته، وبررت هونكة استخدامها لفظ الحضارة العربية، بأن جميع من أسهموا في هذه الحضارة كانت تجمعهم اللغة العربية بغض النظر عن العرق أو الدين، وقالت في مقدمة كتابها :''إن كل الشعوب التي حكمها العرب اتحدت بفضل اللغة العربية والدين الإسلامي، وذابت بتأثير قوة الشخصية العربية من ناحية، وتأثير الروح العربية الفذة من ناحية أخرى، في وحدة ثقافية ذات تماسك عظيم''، واعتبرت هونكة كتابها وفاء لدَين استحق للعرب منذ زمن بعيد، واستطاعت هونكة في كتابها أن تعيد كثيراً من الإنجازات العلمية الغربية إلى أصلها العربي، كما أثبتت الأصل العربي لكثير من الكلمات الدارجة في اللغات الأوروبية.
ومع موجة العداء لكل ما هو عربي وإسلامي أصدر المؤرخ الفرنسي سيلفان غوغنهايم عام 2008م كتاباً أسماه ''الجذور اليونانية لأوروبا المسيحية'' أنكر فيه أي دور للعرب والمسلمين في نهضة الغرب، أو في نقل التراث اليوناني إلى الغرب الحديث، إلا أن 56 من كبار المؤرخين والعلماء الغربيين تصدوا لهذا الكتاب، وأصدروا بياناً نشر تحت عنوان ''نعم الغرب المسيحي مدين للعالم الإسلامي'' فندوا فيه ما جاء في كتاب غوغنهايم.
وفي برنامج ''خواطر'' الذي عُرض في شهر رمضان الماضي تناول أحمد الشقيري ما قدمه المسلمون من إسهامات علمية وحضارية في وقت كان فيه الغرب يغط ُفي نوم عميق، وحين صحا الغرب من نومه، وأراد النهوض، وجد إرثاً حضارياً أهمله أهله، فعمل على الاستفادة منه حتى حقق ما نراه أمامنا الآن من إنجازات علمية كبيرة، لا نتعامل معها إلا بانبهار مصحوب بتحقير للذات.
تعاملنا مع تاريخنا ورموزه وإنجازاتنا السابقة لا يخرج عن أحد أمرين: إما معجب أشد الإعجاب لا يرى إلا الجوانب المضيئة ويعتقد أن نهضتنا لا تقوم إلا عبر اجترار الماضي دون القيام بما يفرضه النهوض من أسباب وأدوات، وآخر لا يعرف الماضي بتاريخه ورموزه وإنجازاته، إلا أنه ماض لا يستحق الذكر، وإذا ذكر فيجب التركيز على نواقصه. نهضة الأمة لا تأتي عبر الانتقام من الماضي وطمس معالمه وتشويه سير أعلامه، مثلما أنها لا تأتي عبر التغني بإنجازاته وبطولات أفراده فحسب، فالنهضة تحتاج إلى قدرة على العمل واستشراف للمستقبل وعزيمة على الإنجاز.
إن ما نحتاج إليه ليس إعادة كتابة التاريخ من خلال رغباتنا وأهوائنا وتوجهاتنا الفكرية والمذهبية والسياسية، وإنما أن نبحث فيما يمكن أن يكون دافعاً لأي تطور ونترك ما نراه معوقاً لنا، دون نقاش لا يوصل إلى نتيجة، وإلا فلسوف نستمر نجتر التاريخ، فبعضنا يمنحه القداسة المطلقة، وآخرون يلعنونه، وبالتالي تكون النتيجة التي نشاهدها الآن، وهي أن نستنجد بدول الجوار للهرب من واقعنا.
***

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي