في الترويج للاستثمار الوطني (2 من 2)
ذكرنا في الجزء الأول من هذا المقال أنه من خلال الرصد والمتابعة، تبدو الحاجة مُلِحة لزيادة فاعلية برامج الترويج للاستثمار في المملكة، التي يتميز اقتصادها باستجابته المتسارعة للمتغيرات الاقتصادية المختلفة على المستويات: العالمي والإقليمي والمحلي وفق المعطيات التالية، التي أوردها موقع الهيئة العامة للاستثمار:
ـــ احتلال المملكة العربية السعودية المرتبة الرابعة في ''الحرية المالية'' في التصنيف العالمي ولديها نظام ضريبي مصنَّف في المرتبة السابعة عالميًا، ضمن أفضل النظم الضريبية تحفيزًا للاستثمار.
ـــ أحد أكبر 25 اقتصادًا في العالم؛ وأكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ـــ أسرع دول العالم نمواً، إذ من المتوقع أن يرتفع دخل الفرد من 20700 دولار أمريكي في عام 2000 إلى 33500 دولار أمريكي بحلول عام 2020.
ـــ البيئة الاستثمارية الجاذبة، وسريعة التكيف مع المتغيرات العالمية.
ـــ امتلاكها أكبر سوق حرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ـــ تستحوذ على 25 في المائة من مجموع الناتج المحلى الإجمالي العربي.
ـــ حيازتها 25 في المائة من احتياطي النفط في العالم.
ـــ احتلالها المرتبة 13 ضمن 181 دولة في التصنيف العالمي من حيث سهولة ممارسة أنشطة الأعمال، وتحتل المرتبة السابعة من حيث سهولة دفع الضرائب.
ـــ الأولى من حيث تسجيل الملكية، كما أنها من أكبر الدول الجاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر.
وإن أبرز المواقف التي يجب استغلالها ترويجًا للاستثمار، في رأيي، حالة الاقتصاد العالمي الآن وأزماته المتداعية؛ لتوجيه رسالة ترويجية في هذا التوقيت المناسب؛ فالفرص تأتي من قلب الأزمات؛ لأنها السبيل الناجع لجني ثمار ما بعد الأزمة، وتداعياتها؛ لإحداث حالة من الاستنفار، لدى جميع مؤسساتنا الاقتصادية لحمل مهمة الترويج للاستثمار في المملكة وتوزيع جميع مهام هذا الملف على جميع مسؤولي الهيئات الاقتصادية، تحت مظلة وإشراف الهيئة العامة جنبًا إلى جنب الغرف التجارية، هيئة سوق المال, ومؤسسات التمويل العقاري وشركات التأمين؛ للإعلان بكل قوة: نحن مستعدون لاستقبال استثماراتكم .. يوازي ذلك انفتاح كبير للتعرف على المشكلات المرتبطة بالاستثمار وتذليل عقباته وتنظيم الرحلات الترويجية ومتابعة نتائج هذه الرحلات.
إن البحث عن فلسفة جديدة في أسلوب الترويج للاستثمار، أمر بات ضروريًا؛ حيث تصبح فيه الهيئة العامة للاستثمار قلبه النابض، ومركزه الرئيس للترويج؛ وهي مهمة، غاية في الأهمية، لأسباب عدة:
ـــ برنامج إتاحة فرص عمل في المدن الاقتصادية والمعرفية وإنشاء آلاف المصانع، لن يتحقق إلا بضخ استثمارات جديدة، محلية وعربية وأجنبية.
ـــ إننا بذلك نرصد بأعيننا فوائضنا النفطية، التي تتحرك حول العالم ونجذبها إلينا.
ـــ هذه المهمة، تتضمن فيما تتضمنه: تبسيط الإجراءات وخدمات الاستثمار والتطوير المؤسسي لهيئة الاستثمار، وهذه كلها عوامل منشطة للترويج وتفعيل دور الهيئة.
ليتحوّل دورها من مجرد مشارك في الفعاليات والمؤتمرات والمناسبات الترويجية إلى دور أكثر ابتكارًا لجذب الاستثمار. وفي يقيني أننا قمنا بتنظيم وعقد كثير من الفعاليات والمؤتمرات، بتكلفة عالية من الوقت والجهد والمال، ولم يكن لها مردودها على المدى الطويل؛ فالترويج هو فن الاتصال بجمهور مستهدف بهدف ترغيبه في قبول فكرة أو منتج أو حتى تعامل مرغوب، ويتم بأدوات أو قنوات متنوعة، مثل الإعلان والمعارض والمقابلات أو التفاعلات البيعية لبيع الأفكار والمنتجات؛ ما يحتم تصنيف المستثمرين وتحديد خصائصهم ومن ثم دوافعهم للاستثمار أولا, كأساس لتصميم الرسائل الترويجية وتوجيهها من خلال قنوات اتصال مناسبة.
ولعل من المناسب بلورة استراتيجية وطنية لترويج الاستثمار الوطني، تشارك فيها كل الهيئات ذات العلاقة، تتضمن عددًا من المحاور الرئيسة:
ـــ إعادة هيكله قطاع الترويج؛ وتكوين فريق عمل جديد في الهيئة؛ لهذا النشاط, وتنفيذ برنامج للدعم الفني مع المؤسسات الدولية لضمان الاستثمار؛ لتدريب وتأهيل فريق الترويج على الوسائل الحديثة كذلك.
ـــ إنشاء أقسام جديدة، ومبتكرة للبحوث الترويجية ومتابعة المستثمرين وخدمة التيسير على المستثمرين الجدد وخدمة معاونة المستثمرين القائمين على حل مشكلاتهم.
ـــ إعداد دراسات قطاعية للقطاعات المختلفة التي تروج لها الهيئة وتوفرها للمستثمرين، ومن أهم هذه المحاور(وجود الهيئة في أقرب فرصة في جميع الدول العربية، والإسلامية؛ والأخرى الصديقة، مثل: سويسرا, فرنسا, المملكة المتحدة, ألمانيا, اليونان, تركيا، اليابان, الصين, سنغافورة, تايلاند, الفلبين, وتركيا)، حيث لاحظت في موقع الهيئة العامة للاستثمار، قلة المكاتب المعتمدة للترويج للاستثمار في الخارج.
ـــ الشروع في تطبيق أسلوب الترويج المباشر الذي يعتمد على لقاء المستثمرين في الخارج ومتابعتهم بشكل فردي، من خلال رحلات ترويجية في منطقه الخليج العربي.
ـــ التعاون مع غرف التجارة الأجنبية وجمعيات المستثمرين على حلِّ مشكلات المستثمرين القائمين.
ـــ التعاقد مع شركة دولية لتنفيذ برنامج للتسويق والدعاية للاستثمار في منطقتي الخليج العربي وأوروبا الغربية، وآسيا.
ـــ تطوير سياسات التعليم وفق برنامج تتولاه كل من وزارتي التعليم والتعليم العالي, جنبًا إلى جنب مع تصميم وتطوير سياسة وطنية فاعلة للتدريب؛ لتهيئة عرض مناسب من جميع تقسيمات العمالة الفنية والإدارية، يتناسب وتوقعات المستثمر المعاصر.
ـــ التوجُّه نحو الحكومة الإلكترونية، وتقديم الخدمات الحكومية إلكترونيًا لم يبلغ على الأقل حتى الآن ــــ الدرجة التي توفر وقت المستثمر في قضاء الخدمات الحكومية ذات العلاقة كافة، ما يتطلب تطويرًا له شأنه في الموارد البشرية، (كمعارف ومهارات واتجاهات وسلوكيات) قبل التجهيزات.
إن هذه الاستراتيجية للترويج لها تكلفتها، ولها عائدها أيضًا؛ فهناك بالفعل حركة للاستثمار العالمي ويتعين أن نسعى إليها؛ فكما أن التصدير هدف وطني, يتعيَّن أن يكون جذب أكبر قدر ممكن من الاستثمار العالمي هدفنا الوطني أيضًا.