عقاريون ومساهمون
حين يطالع القارئ أخباراً من نوع: تصفية المرحلة الثالثة من المساهمات العقارية المتعثرة، بقيمة إجمالية قدرها مليار ريال، لا بد وأنه يشعر بالرضا لكون لجنة المساهمات العقارية في وزارة التجارة ساعية لإنفاذ قرار مجلس الوزراء القاضي بإنهاء ملف المساهمات العقارية المتعثرة حرصاً على رفع الظلم عن المواطنين وتسليمهم حقوقهم كاملة غير منقوصة ومعاقبة المتلاعبين والمضيعين لأموالهم.
إن القارئ الكريم هو بكل تأكيد مواطن، إما ينتظر حقه في مساهمة طال انتظاره لها، أو مواطن يتطلع إلى يوم يتمكن فيه من الحصول على قطعة أرض يبني عليها مسكنه، أو مواطن يتعاطف بالضرورة مع هذا الوضع الحرج في سوق العقار، من حيث التلاعب التجاري والمماطلات في الحقوق، أو من حيث الاحتكار لمساحات ومخططات تتقافز الأسعار فيها صعوداً بين يوم وآخر.
لجنة المساهمات العقارية في وزارة التجارة سوف تتولى تصفية (المرحلة الثالثة) من مساهمات عقارية متعثرة، ما يشير بالضرورة إلى أن اللجنة أنهت قبلها تصفية (مرحلتين متعثرتين) من المساهمات العقارية، الأمر الذي يعني أن تنمية قطاع العقار تعاني أزمة صارخة تعمل عكس ما هو مطلوب منها في الاستجابة لأهداف التنمية سواء في توسيع حركة الاستثمار الوطني والإسهام في رفع قدرات الاقتصاد الوطني أو في توفير البنية العمرانية من مشاريع لإسكان المواطنين أو توفير الأراضي المطورة بأسعار معقولة لمن يشاء أن يتولى العمل على بناء مسكنه بنفسه.
أبعد من هذا فإن تصفية المرحلة الثالثة من المساهمات العقارية لا تخفي حجم المعاناة التي عاناها هؤلاء وسابقوهم من جراء خسارتهم مددا طويلة في الانتظار ترتبت عليها أموال أنفقوها، رغماً عنهم، في دفع إيجارات السكن وفوقها ربما مستحقات خدمة الديون للبنوك لمن اقترض منها لمساهمة تعثرت فتعثر معها في ضائقة مالية وكمد ثقيلين وإن كان قد عاد إليه حقه بعدما تآكل بحكم التقادم وما دفعه من إيجارات أو فوائد مع الأقساط علاوة على ارتفاع مستوى المعيشة من حين المساهمة إلى الوقت الذي عاد إليه حقه!
وإذا كانت لجنة المساهمات العقارية سوف تسند التصفية إلى مكاتب قانونية ومحاسبة وتطرحها أمام الراغبين للقيام بهذه المهمة وفقاً لشروط محددة وأتعاب مالية معينة، متوخية في ذلك حماية حقوق المساهمين فذلكم إجراء موضوعي جيد، لأنه يعني أن من يقوم بعمليات التصفية جهات لصيقة متخصصة في الفصل والحكم في هذا المجال، إلا أن السؤال الذي لا شك أنه يشغل بال صاحب الحق والمتابع لهذه القضية هو ما إذا كانت هذه المكاتب ستضع في حسبانها، ولو بصورة مقاربة، الخسائر التي تكبدها المساهمون طوال فترات انتظارهم وتعويضهم عنها بأثر رجعي، خصوصاً أن أصحاب المساهمات تدفقت بين أيديهم أموال بأرباح غالباً ما هي طائلة، فضلاً عن أن هذه الأموال أدرت أموالاً مضاعفة من جراء دخولها في دورات استثمارية في مشاريع عقارية أخرى أو غيرها من المجالات ما يترتب عليه وجود حق معلوم فيها للمساهمين الذين تم تعثير حظوظهم سنوات، أم تراه عليهم فقط أن يرضوا من الغنيمة بالإياب؟ وطبعاً نقصد: إياب ما دفعه المساهم فقط وليس إيابه هو .. لأنه أصلاً في مكانه ولم يذهب، ربما لأن (كل اللي في حيلته من مال) هو فقط ذاك الذي حجزه متلاعبو تجار المساهمات العقارية!!