ليبرمان ونظرية تبادل الأراضي المسكونة
أفيجدور ليبرمان يهودي, مولود في مولدوفيا، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي المنقرض، ولد في مدينة كيشنيف، عاصمة مولدوفيا عام 1958، وكان والداه من نشطاء الحركة الصهيونية في بلاده الأصلية، هاجر إلى فلسطين المحتلة، المقامة عليها دولة إسرائيل عام 1978م، وهو صهيوني متطرف إلى أقصى ما يكون التطرف، يتزعم حزباً يسمى ''إسرائيل بيتنا'' ويؤمن بحق اليهود في التوسع على حساب الأرض الفلسطينية وسكانها الأصليين، ويعتبر المواطنين العرب في إسرائيل طابوراً خامسا, ولا يرى مناصاً من ترحيلهم وتهجيرهم من أرضهم. دعا إلى تدمير السد العالي في حالة نشوب أي حرب بين إسرائيل ومصر, وتطاول على الرئيس المصري حسني مبارك بعبارات غير لائقة. وبعد الانتخابات التي جرت في سنة 2009، أسند إليه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منصب وزير الخارجية ورفضت مصر استقباله حتى يقدم اعتذاراً رسمياً عن تجاوزاته في حق مصر ورئيسها. وأعرب بعد تقلده منصب وزير الخارجية عن رفضه مبادرة السلام العربية لأنها ـــ من وجهة نظره ـــ ستؤدي إلى تدمير إسرائيل، قائلاً إن الجزء الأخطر من هذه المبادرة هو الدعوة إلى حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها. ووصف أفراهام بورج، الرئيس السابق للكنيست الإسرائيلي، أفيجدور ليبرمان بأنه عنصري ومعاد للأجانب وأنه يشكل خطراً على ''الديمقراطية'' في إسرائيل.
ألقى هذا الصهيوني المتعصب خطاباً باسم إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء 28/9/2001 تضمن مغالطات وأكاذيب شتى، رابطاً بين القضية الفلسطينية وإيران, وأنه لا يمكن حل القضية الفلسطينية إلا بعد حل ''القضية الإيرانية'', لأن إيران ـــ من وجهة نظره ـــ تستطيع أن تحبط أي اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين ولبنان. ثم تحدث عن غياب الثقة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني, مشيراً إلى ضرورة بناء الثقة أولاً قبل الانتقال إلى المرحلة التالية من عملية مفاوضات السلام, إلا أنه أضاف أن هذا الأمر قد يتطلب ''عقوداً'', ودعا إلى التخلي عن مبدأ ''الأرض مقابل السلام''، وأن الحل النهائي لا يتم إلا عن طريق ''تبادل أراض مسكونة'', قائلاً إنه لا يتحدث عن ''تحريك السكان, بل عن تحريك الحدود'', مشيراً إلى أنه سبق أن تم تطبيق هذا الحل في أماكن أخرى من العالم ذات حالة شبيهة بالوضع الحالي بين إسرائيل والفلسطينيين. والواقع أن هدف ليبرمان من طرح هذه الفكرة هو ضم المنطقة المعروفة باسم ''المثلث'', التي يعيش فيها نحو 200 ألف عربي من فلسطينيي 1948، إلى حدود إقليم الدولة الفلسطينية المطلوب إقامتها مقابل ضم أراض شاسعة من الضفة الغربية إلى إسرائيل, التي أقيمت على أجزاء منها مستوطنات إسرائيلية. ويريد ليبرمان من المناداة بتطبيق هذه الفكرة تحقيق شعار ''يهودية'' دولة إسرائيل, حيث ينبغي من وجهة نظر الصهاينة ألا يبقى في إسرائيل من العرب أحد إن أمكن ذلك, أو عدد قليل جداً ليس له وزن ولا شأن.
وأصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو بياناً تضمن أن ''الخطاب الذي ألقاه لبيبرمان في الأمم المتحدة حول تسوية النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين لا يمثل موقف حكومة إسرائيل، وأن مضمون هذا الخطاب لم يتم التنسيق في شأنه مع رئيس الوزراء، وأن المعني بالمفاوضات الدبلوماسية هو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وأن التدابير المختلفة من أجل السلام سيتم تحديدها فقط حول طاولة المفاوضات وليس في أي مكان آخر''.
وأفادت بعض التقارير الإعلامية بأن سوزان رايس، مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وجهت توبيخاً قاسياً للوزير الإسرائيلي، مبدية استغرابها من نص الخطاب الذي ألقاه في الجمعية العامة, الذي اعتبرته خطابا غير دبلوماسي وغير مفيد.
وهنا لنا وقفة للتعليق الموجز، فنقول ما يلي:
1 ـــ إن التنازلات الإقليمية التي تمت في السابق وأشار إليها ليبرمان في خطابه كانت بين بعض الدول الأوروبية عقب حروب نشبت بينها في القرون السابقة. وكان التنازل عن الأراضي تحت إكراه القوة والاحتلال العسكري أمراً مشروعاً آنذاك، وتجاوز القانون الدولي المعاصر هذه المرحلة وأصبح يحرم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، ويجرم طرد سكان الأقاليم المحتلة ونقل سكان أجانب إليها, كما يبطل المعاهدات التي يتم إبرامها تحت الإكراه, لكن ليبرمان يريد أن يعود بالمجتمع الدولي القهقرى للتنصل من مبادئ وقواعد القانون الدولي المعاصر.
2 ـــ إن نظرية ''تبادل الأراضي المسكونة'' التي طرحها ليبرمان تتعارض تعارضاً تاماً مع جميع القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي, التي تدعو إسرائيل إلى الانسحاب من جميع الأراضي العربية التي احتلتها سنة 1967 بما في ذلك القدس والضفة الغربية, وتقرر عدم شرعية المستوطنات اليهودية التي أقامتها إسرائيل على هذه الأراضي, ودانت استمرار إسرائيل في سياسة بناء هذه المستوطنات, وأن بناء هذه المستوطنات لا يمكن أن يرتب أي آثار قانونية, وأنه لا يجوز تغيير المعالم السكانية والدينية والثقافية للأراضي المحتلة, وأنه يجب احترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني, وأن هذه الحقوق غير قابلة للتصرف، ومن هذه الحقوق حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها.
3 ـــ كإجراء مضاد لنظرية ''تبادل الأراضي المسكونة'' التي تأباها مبادئ وقواعد القانون الدولي، يتعين على الجانب الفلسطيني أن يطالب بإجلاء اليهود من جميع المستوطنات المقامة في القدس والضفة الغربية وتوزيع مساكن هذه المستوطنات على سكان المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ليتملكوها ويسكنوها كتعويض عن بعض الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهم جراء الاحتلال والقمع الإسرائيلي.
4 ـــ ثم أتساءل: هل يعقل أن وزير الخارجية الإسرائيلي يلقي خطاباً باسم إسرائيل أمام أكبر محفل دولي, وهو الجمعية العامة للأمم المتحدة, دون أن يجري بشأنه التنسيق بينه وبين رئيسه بنيامين نتنياهو؟
حتى لو افترضنا جدلاً أن ليبرمان لم يطلع رئيسه على مضمون خطابه، فإن نتنياهو يعتبر مسؤولاً عن إسناد منصب وزير الخارجية لشخص سيئ السمعة والتصرف. فمنصب وزير الخارجية منصب له شأن كبير وخطير ويتعين أن يكون شاغله على قدر كبير من الدراية والحنكة والكياسة يؤهله لإدارة الشؤون الخارجية لدولته. وطبقاً للقواعد المستقرة في القانون الدولي يعتبر وزير الخارجية نائباً عن رئيس الدولة في تمثيل دولته في علاقاتها الدولية.
وإذا كان صحيحاً ادعاء مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن خطاب ليبرمان لا يمثل وجهة النظر الإسرائيلية, فلماذا لا يقيله ويأتي بمن هو أجدر منه؟
الواقع أن نتنياهو وليبرمان من فصيلة صهيونية واحدة تتميز بالعنصرية والتعصب الشديد وأنهما يلعبان أدواراً متفقا عليها، وأسطع برهان على ذلك إفشال نتنياهو المفاوضات المباشرة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية حول التسوية السلمية النهائية، بسبب إصراره على استئناف بناء المستوطنات في الضفة الغربية، والفرق بين نتنياهو وليبرمان كالفرق بين سم العقرب وسم الأفعى.