«المستثمر الذكي» لغة لا يفهمها أطفالنا
يعد علم النفس من العلوم الإنسانية التي لها صفة التغير والدينامية المستمرة سواء مع الزمن أو مع الأحداث أو حتى من خلال تغير قناعات الشخص نفسه في بعض الأحيان، فلا شيء ثابت تماما كما هو في العلوم البحتة مثل الطب والكيمياء والفيزياء، فكل شيء في تلك العلوم يقاس بدقة حتى نسبة الخطأ يوضع لها رقم تقريبي يدرك الباحث أو الدارس حيزه، ولكن علم النفس يعتمد بشكل كلي على متغيرات متحركة وهذا ما يجعل العملية التربوية صعبة جدا في بعض المراحل العمرية للإنسان، حيث إن غرس بعض القيم أو المبادئ ربما ينجح في مرحلة ولكنه يفشل في مرحلة أخرى. وعلى الرغم من تناقض وتضارب نظريات علم النفس المستمر إلى عصرنا الحديث إلا أن فرويد يظل من مؤسسي هذا العلم وله نظريته التي يدعمها البعض على مستوى العالم .. والعكس، ولكن تظل وجهة نظري انتقائية ثابتة تجاه هذه النظرية بمعنى أن ننتقي منها ما نراه مناسبا، وليس من الضروري أن نقبل فيها كل شيء، ولكن من الأشياء الواضحة في نظريته اعتماد تربية الطفل على السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل كسنوات تأسيسية للعملية التربوية، ومما يساعد منطقيا على ذلك تمركز محيط الطفل في المجال الأسري، بمعنى أن هذه المرحلة العمرية يكون فيها ضعف المثيرات الخارجية مقابل شدة قناعة الطفل بكلام والديه انطلاقا من أنهما مصدر للثقة، لذلك فإن عملية البناء تكون أسهل وذلك عكس المراهقة، حيث ترجح كفة الأصدقاء وتضعف مصداقية الأسرة في نظره.
ولعل بناء الطفل من الداخل أمر في غاية الأهمية خاصة في الجوانب الاجتماعية والأخلاقية والدينية وغيرها، إلا أن غرس الجانب الاقتصادي لدى الطفل غالبا ما يغيب عن الأسرة باعتبار أن الأب أو الأم أحيانا هما مصدر الدخل له. إذ يعتقد البعض أن لا حاجة لهذا الجانب، بل يعتبر البعض الآخر أن بناء جانب اقتصادي تربوي سليم يفقد الطفل معنى التدليل الإيجابي الذي ترى بعض الأسر أهمية توفيره للطفل وأن التقنين من بعض العمليات كعملية الشراء أو دراسة التوفير هو من الأمور التي تحدث نقصا نفسيا لدى الطفل وإن لم يستطع البعض التعبير عن ذلك بهذا المفهوم صراحة، ولكن ما أعتقده من وجهة نظري هو أن تقنين الجانب الاقتصادي هو أساس من أسس الصحة النفسية لدى الطفل وهو كغيره من المبادئ التي يجب غرسها في الطفل حتى يدرك فعليا في حياته اليومية مفهوم هذه القيمة التي من أهم محكاتها على سبيل المثال لا الحصر، تحقيق الوعي في الحفاظ على الممتلكات الخاصة، بل حتى العامة انطلاقا من عملية بناء مفهوم اقتصادي إيجابي.
إن المتصفح لمجلة "المستثمر الذكي" التي تصدرها هيئة السوق المالية والتي تخاطب عقلية الطفل من منطلق اقتصادي وفق صورة مبسطة إنما تكسب الطفل معنى الثقافة الاقتصادية الذي يحتاج إليها في هذا العصر بصورة غاية في البساطة والتشويق فهي فعلا من المجلات التي تواكب العصر وتستحق من الأسرة أن تبحث عن اقتنائها، ولنساعد أطفالنا قليلا على الخروج من عالم الأنشطة السلبية التي تعوق التفكير وتجعله مجرد وعاء يتلقى كل ما يطرح عليه دون مساعدته على تفعيل ما ينمي ذاته وكيانه الداخلي.